آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

خيرات القطيف تضمحل فمن لها يا كرام؟!..

مريم آل عبد العال *

حبى الله القطيف منذ القدم بوفرة شتى الثروات، فهي مدينة ساحلية بجانب أنها تحتوي على الكثير من العيون التي تتميز بمياهها الجوفية النابعة من عيونها ذات الضخ العالي التي تصل قوة دفعها إلى الكيلو مترات، وبساتينها التي تميزت بجودة محاصيلها الزراعية على مستوى المنطقة، وجودة ثروتها السمكية.. وتلك الجودة لها أسرار تغيب عن البعض جعلت منها ماض إلا ما تبقى.

وبانقسام أهالي القطيف لاحتراف مهنتين عُرف بها رجالاتها الضراغم منذ سنين طوال، وهما مهنة البحار ومهنة الفلاح «النخلاوي»، فلو امعنا في مدى ترابط هاتين المهنتين وجمالية ما تصب كل منها في زيادة إنتاجية الأخرى، لسعينا شكراً لله ولهم على عظمة ما كان للقطيف من نصيب بفضل عطائهم وحبهم في الاعتناء بأرضهم الحبيبة التي بدورها أعطتهم وأنتجت لهم الثروات التي طالما كانوا يتغنون بصيتها بين المدن الأخرى.

ترابط مهن القطيف وامتياز الإنتاج القطيفي

هناك ارتباط وثيق بين مهنة البحار والنخلاوي منذ القدم في إثراء سلة الغذاء في القطيف. فقد كانت البساتين القطيفية ترويها مياه العيون النباعة التي يصل عددها 360 عين منتشرة في أنحاء الواحة، ومن ثم يتم تصريف ما زاد من تلك المياه عبر السدود التي تعتبر تقنية لها فوائدها العجيبة إذ تعتبر أحد أسباب تخصيب التربة وتميزها الإنتاجي، فبعد السقاية تنصرف المياه الزائدة من التربة عائدة إلى السدود، باتجاه البحر، محملة بالكثير من المواد العضوية الزائدة من تساقطات الأشجار، والتي يتضح أنها غذاء ثري للأسماك، مما كون ثروة سمكية ذات جودة عالية تميزت بها القطيف عن أسماك غيرها، فقد كانت القطيف أهم ميناء ساحلي مصدر للأسماك في الخليج العربي سابقاً، وكان السكان يعتمدون على السمك كغذاء يومي أكثر من اللحوم حينها إذ يبلغ عدد أنواع الأسماك الصالحة للأكل 258 نوعاً.

الثروة المائية بمحافظة القطيف

كانت القطيف من أغنى البقع من حيث وفرة مخزون المياه الجوفية فانحدار جغرافيا الجزيرة العربية إلى الساحل الشرقي جعل من القطيف والأحساء مخزناً لمياه الأمطار فصارت منابع لتفجر العيون فيها منذ ملايين السنين إلى ما قبل الـ 35 سنة الماضية، إذ يبلغ مجموع العيون بالقطيف 360 عين. هذا المخزون الهائل من المياه نضب خلال 35 سنة بسبب سحب أرامكو للمياه الجوفية وحقنها في مياه البترول. يُذكر أن تلك المياه كانت تمتاز بعذوبتها، وقد كانت تستخدم لسقاية بساتين الواحة، بل حتى امتدت إلى صحاري الجهة الغربية من المحافظة وتدل على ذلك الآثار.

القطيف من مصدرة إلى مستوردة للأسماك

كانت القطيف أهم ميناء تجاري مصدر للأسماك في الخليج، حيث كانت تغذي شمال وجنوبي الخليج بثروتها السمكية الهائلة في خليج القطيف المتفرع من الخليج العربي الذي تصب فيه مياه الواحة الغنية بالمواد العضوية، وما يثير الدهشة انحسار تلك الثروة السمكية، فبعد أن كانت مصدر مهم للأسماك أصبحت مستوردة فبلغت تغطية الحاجة السمكية المستوردة نسبة 60%..

نشأة العيون في القطيف

عيون القطيف صممت على نحو هندسي غير عشوائي، مما يثبت حضارة الناس في تلك الآونة، إذ أنشئت بطابع هندسي وتصميم مدهش يحير معه المؤرخون من طرق حفر العيون والدقة الواضحة في بناءها، ويذكر أن الجيولوجيين في تنقيبهم في المنطقة يحتاجون إلى تقنيات ومعدات متطورة لقياس الذبذبات والاهتزازات لتأكيد تواجد الماء في تلك الأماكن، كما لاحظوا أن حمامات القطيف بُنيت فوق عيون ذات مياه معدنية مما يتطلب مهارات علمية وتقنيات حديثة لم تكن موجود في ذلك العصر.

أزمة السكن، أسبابها بالقطيف

سبّبَ الزحف العمراني على الرقعة الزراعية في القطيف انحسار ما نسبته 70% منها خلال الـ 50 سنة الماضية، مع امتيازات أرامكو ووزارة الدفاع التي دفعت المواطنين إلى تدمير البيئة الزراعية التي امتازت بها القطيف منذ القدم، وما زاد الطين بلة استقطاع الحدود الإدارية مما سبب تأزم سكني بالمحافظة مما أدى الى الجور الدائم والمستمر على البيئة لحل تلك الازمة، وردم ما نسبته 90% من الساحل وفيه قتل أشجار المنجروف التي تعتبر أهم مكونات النظام البيئي حسب ما أفادت به مراكز الأبحاث العالمية، إذ هي مفلتر طبيعي للبيئة وغذاء وحاضن للكائنات البحرية. فدفعهم ذلك إلى التوسع على حساب البحر شرقاً، وكان من الأجدى التوسع غرباً في حدودها المقتطعة حفاظا على مكتسباتها البيئية التي لا تعوَّض.

كاتبة صحفية - إعلامية وناشطة في مجموعة قطيف الغد