السؤال في الزواج
التواصل بين الناس ينحصر في جزئيين: الجزء السطحي والجزء الشخصي. فكلما كنا صادقين من الناحية الشخصية داخل وخارج البيت، عُرف نقاء قلوبنا. وهذا يتحقق عندما فقط تتشارك بجزء شخصي من حياتك مع الناس المقربين والعامة. ولكن الجزء السطحي هو ما يكون في أغلب الناس من أصدقاء وأقارب وحتى الأبوان وللأسف الشديد سطحية علاقاتنا هي ما يخدع الكثير منا في أمورنا الاجتماعية.
أتذكر بينما كنت أقود سيارتي إلى بيتي في الربيعية وأستمع للموسيقى الهادئة بعد دوامٍ شاق وطويل، ردن جوالي وإذا به صديقي القديم جواد. ابتسامتي شقت وجهي لسماع صوته بعد سنتين من الانقطاع. باركت له بمناسبة زواجه وكم كنت مدركاً رحلته الصعبة في البحث عن تلك الفتاة التي تقبل بالعيش معه باقي عمره وتجميع المال وتجهيز الشقة. سألني ”أحمد، لدي موضوع معك“ فقلت له تفضل ”ماذا تعرف عن عبدالله؟“
تفاجأت بالسؤال ”كيف كان يعرف عبدالله؟“ فهما اثنان في عالمين مختلفين، الأول يعيش خارج القطيف والثاني عاش سنيناً طويلة خارج القطيف. فسألته ”هل هو متقدم لأختك؟“ فأجاب ”متقدم لأخت زوجتي. ماذا تعرف عن الرجل يا أحمد؟“ فقلت له بكل صراحة أنه جداً إنسان رائع ومتدين ومحبوب من الناس عامة وله معارف كثيرة ”أنا متأكد أن الفتاة ستكون محظوظة به! فهو شخص مزوح وروحه طيبة وأخلاقه“ من الطيبين ”، فلا تترددوا!“ في صيف 2011، حضرت حفلة زواج عبدالله وكانت من أحلى الأعراس وما زلت أتذكر داك الصف الطويل التي كان ينتظر من خارج سرداب الحسينية.
بعد هذا العرس انقطعت عن الناس المقربين بشكل عام بسبب اكمال الدراسة وانشغالي بنوادي فن الخطابة والنشاطات الأخرى وفي نهاية سنة 2012، التقيت بأحد أقارب عبدالله فسلمت عليه وسألته عن عبدالله، فعبس وجهه فقلت له ”هل تريد أن تقول لي ما بك اتجاه عبدالله؟“ فقال لي ”هل أستطيع أن أثق بك بسراً شخصي؟“ فأفرغ لي كل ما في ذهنه حيال عبدالله.
انصدمت بأن عبدالله يحبس زوجته ويضربها على أقل الخلافات بينهما فهي لا تخرج من بيتها ولا ترى أهلها ودائماً ما بين أربعة جدران والمصيبة العظمى أنه لا يحبها أبداً ولكنه يريد زوجة. قاطعت قريب عبدالله متعجباً ”أأنت متأكد أنه عبدالله نفسه؟ عبدالله الذي سافرنا معه، ولعبنا معه وجلسنا معه؟“ فكشف لي سره ”أنه مع الناس أفضلهم ولكن مع عائلته لأسوئهم.“ ودعت قريب عبدالله بعد ما تأخر الوقت، ولكن الأسئلة في بالي كانت كثيرة ”كيف بتلك الفتاة أن تقبل به؟ لماذا يعامل زوجته بهذه الطريقة؟ إذا كان طيباً معنا خارج بيته وداخله إنسان مختلف، هل هو إنسان مزيف؟“ ولكن السؤال الأهم الذي طرحته على نفسي ”هل أنا مزيف؟“ وأنا أطرحه عليك أخي القارئ وأختي القارئة، هل تزيف معاملتك خارج بيتك؟
الدرس التي تعلمت من هذه القصة هو أن السؤال السطحي عن المتقدم للزواج ليس فيه مصداقية الآن في هذا الزمن. طريقة أباءنا وأمهاتنا في الماضي ولت وذهبت وما نفعهم ليس بالضروري ينفعنا نحن الجيل الحالي. فالذهاب إلى المسجد والصلاة وحضور الحسينيات وغيرها من العبادات والطقوس لا تقيس حسن أخلاق الزوج ولا يمكنك أخي القارئ وأختي القارئة قياس أخلاقي شخصياً إلا بمتعاملي معك فقط. فربما أكون ذلك الشخص ذو الأخلاق الفاضلة معك في الخارج ولكن أنيابي تنتظر زوجتي وأولادي في الداخل. فلهذا يجب على الزوجين أن يعرفا بعضهما من الناحية الشخصية وليس الأخ أو الأب فأنا وأنتِ من سوف نعيش في سقفٍ واحد.