آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

آمال الواحة الفرحانة في مهرجان القطيف

مريم آل عبد العال *

يستوقفني كالعادة ما يجول على ضميري الذي عاهدت به واحة القطيف أن يتابع حقوقها، ويقف على هويتها وقوف ابن لا يحاول مساس مبسمها بأي حزن، وكي لا يؤاخذني أحد فالحقيقة إن واحة القطيف كانت من قبل أن أولد حتى اليوم حزينة في الثلاثون عاماً الأخيرة، لا ينبغي أن نمشي على جراحها غير آبهين، لا ينبغي أن نمر في هذه الحياة عابرين عليها دون خجل مما آل به الزمن عليها.

مهرجاننا القطيفي ”واحتنا فرحانة“ الذي يحاول أن يمضغ الحزن وينشر على قلوب الأهالي الفرحة أخذ على عاتقه الجهود العالية والراقية بغية أن يستجمع في أرجاءه نطف الفن والتراث ويستبدع منها فرصة السحر الوقتية كي يؤلف بين القلوب ويفعل الزمن لعدة أيام ضمن هوية قطيفية ما زال ينبض بجزء منها ويواصل النبض بفعالياته العصرية منها والقديمة، ويعلم من يعلم أن أملنا في القائمين عليه ما زال كبير فقد لمسنا الهاجس الشخضي لهم كمهتمين ولا يبقى إلا هاجس واحد سأطرحه في هذا المقال.

وعند ترك الفعاليات على جانب ومعها الجوانب الاجتماعية والسياسية سأعتني بلفت الانتباه للمنظور البيئي، فقد يكون صحيحاً أن نرسم ونقترح تصحيحاً بسيطاً يُرفع مع ما رُفع من جهود قام بها المهرجان وأن يستجمع الفرص ويقوِّم الخطأ البيئي في واحة القطيف الحزينة.

عرفنا الواحة كمسمى للجانب الزراعي «البيئي» من هويتها بنخلها ومائها، ولم نعهد لهذا المصطلح أن يسمى على المدن الخرسانية التي لا تحمل في كيانها البساتين والنخل كجدة التراثية بدون نخل مثلاً.

نعم، سيكون جميلاً لو أن مهرجان القطيف أثرى الجانب الزراعي بلا اكتفاء بتواجد الدوائر المختصة، أن يصنع نقطة انطلاق الوعي الشبابي لتأزم حال الواحة الزراعي وأن يضع الحلول بأيدي الشباب الخلاقين المتأهبين للعمل التطوعي على أكمل ما يكون وما يُحتاج له.

هنالك زوايا تراثية زراعية لم يُتطرق لها في الحي القطيفي بشكل وافي لتبدي وتبرز كيان الواحة الحقيقي للقطيف الآيل للزوال، إذ أنها تعتبر قضايا ساخنة على المجتمع أن يراعيها، فكيف للواحة أن تكون فرحانة ونحن نبخس حق البيئة فيها من زرع وبحر...!

ألا يقوم المجتمع إلا بنفسه، ألا يحفظ المجتمع هويته إلا بنفسه، إنه لا تعويل على الجهات الرسمية إن صرنا نحن كمجتمع نشهد على تقصيرها..!

وعوداً على المهم فمن المؤلم حقاً أن يكون في الحي القطيفي في أقصى زاوية منه ركناً يبيع التمر المغلف والتمريات المعلبة المستوردة من الأحساء، فهل قصُر على القطيف تمرها؟!

للمهرجان دور إعلامي وتربوي في تعزيز الهوية القطيفية وفي حمله لاسمها وتمثيلها بتراثها المتمسك به والمندثر، عليه كل التعويل لإبلاغ آية الجمال المزالة والممسوسة والتي بدأت تشحب عاماً بعد عام، ويستعيدها بكل قوة طيبة كما عهدنا لأبناء القطيف أن يتعاونوا في الخير إن أرادوا فتفرح الواحة بعدها، هنالك عدة مقترحات لا تعدو بالصعبة ولا يستهان بها في الآن نفسه لكي تغدو الواحة وجوداً لم يندثر في الحي القطيفي:

1/ إطلاق مشروع «كفالة نخلة» باستغلال المهرجان لأن يكون منطلق الديمومة الفعلية لدعم العناية بالنخيل المهجورة، بكفالة رمزية سنوية تبلغ 100 ريال ولتفرح بذلك الواحة بكفالة يتيماتها النخلات وليعدن كما عُهد لهن باسقات.

2/ قسم لعرض وبيع الفسائل وشتلات الأشجار المثمرة المحلية بالقطيف «البوبي، اللوز، التوت، الليمون القطيفي» بمبالغ رمزية، يتم بها إثراء المحيط الأخضر في الواحة سواء في المنازل أو البساتين.

3/ قسم يتبنى فيه المهرجان استقطاب تمور الفلاحين والمزارعين البسطاء ويتم إرسالها إلى مصانع التغليف ويتم بيعها في المهرجان دعماً لما كابدوه من خسائر مادية في ضل عدم وجود مصنع للتمور في القطيف.

4/ أن تعطى فرصة للأسر المنتجة القائمة في إنتاجها على صنع التمريات بالتمر القطيفي كي يستدرك منها الهوية القطيفية في الحي القطيفي، فلم نعرف لمهرجان في الأحساء أن يستبدل تمره بتمر المدينة كمثال ويكتفي به في كيان ضخم قام ليتغنى بتراثه ومنتوجاته..!

5/ قامت أمانة المنطقة الشرقية مشكورة برعاية المهرجان، فلا يصعب عليها دعم مشروع يدخل في نطاق المهرجان لإنقاذ الواحة، بأن يطرح كمشروع قائم ضمن واحات المهرجان المتعددة أو جزءاً أهلياً شبابياً كقسم يهدف لتنمية الواحة ينطلق تحت مسمى «إنقاذ واحة».. هنالك مشاريع بيئية كثيرة وجهات متأهبة لترسيتها وتلقي الأيادي العازمة على التعاون والشروع فيها.

6/ إنطلاق مساهمة لمصنع التمور بالقطيف، لم تبقى محافظة في المملكة ذات بيئة نخلية إلا وقام فيها مصنع لتمورها بجهود أهلية، فعلت ذلك واستثمرت في هويتها كي لاتندثر، ونعول على ما حفلت به القطيف في الآونة الأخيرة من تبرعات عُدت بمجملها بالناجحة في المشاريع الخيرية، فمهرجان القطيف الذي احتاج 4 مليون ريال لتنفيذه كل عام لن تكون ميزانية إنشاء مصنع التمور بأعلى من ميزانيته والذي يكلف 600 ألف ريال فقط حتى لو خصص له جزءاً من ريع المهرجان لإنقاذ واحة تسمى «فرحانة»..!

7/ تفعيل الدور التوعوي والتعليمي الزراعي بتعليم الصغار زرع البسائط من الزرع كي يُستعاد في الواحة على أيادي جيل المستقبل أمل الكادحين اليوم بدوام تعبهم وقطف ثمار عرقهم الذي سقى أرض القطيف..

على كل مهرجان يمثل تراث القطيف في زواياه أن يجعل غبن الواحة وليس زواياها الصماء فقط.. مرفأً يُستصرخ فيه الضمائر ويحركها...!

على الطفل والشيخ أن يمسكا بأيدي بعضهما، وأن لا يكبرا عليها ويتكبرا عنها..

فهل للواحة فرح على أيديكم يا مهرجان القطيف؟!

كاتبة صحفية - إعلامية وناشطة في مجموعة قطيف الغد