«31» المرأة والنهضة
وخلال هذه الأيام لفت نظري كتابات للدكتورة نورة السعد، وهي من أشد المدافعات عن التقاليد والرافضات لانخراط النساء في الحياة العامة باعتبارها نوعا من التغريب. هذه السيدة بالتحديد تعمل استاذة جامعية، أي انها تخرج كل يوم للعمل ولا تبقى في البيت، وفق مفهومها الخاص للآية المباركة ”وقرن في بيوتكن“ الذي تنافح عنه. وعلمت من حسابها في موقع التواصل الاجتماعي تويتر ان ولدها يدرس في الولايات المتحدة الامريكية، رغم انها انتقدت في وقت سابق ابتعاث الشباب الى الخارج باعتباره قناة للتغريب. هذه السيدة التي تعتبر الحداثة بلاء على الدين والمسلمين، حريصة في الوقت نفسه على عدم الانفصال عن متطلبات الحياة الحديثة وانماط معيشتها، سواء في الدراسة أو العمل أو تربية الابناء. ولفت نظري ان احصائيات المبتعثين للتعليم العالي في الخارج تشير الى ان نسبة الفتيات تزيد عن 25% من المجموع الذي تجاوز 200 ألف مبتعث خلال السنوات الاربع الماضية.
من هنا استطيع القول ان الانضمام الى ركب الحداثة ليس مجرد خيار تأخذه أو تتركه، بل هو ضرورة للحياة المعاصرة. واعتقد ان الاغلبية الساحقة من النساء السعوديات يردن هذا، بمن فيهن أولئك اللاتي يشعرن بالقلق من انعكاساتها السلبية، وكذلك المدافعات عن التقاليد القديمة.
استطيع القول ان الوعي ليس مشكلة المرأة فقط. نحن امام مشكلة مجتمع بأكمله، رجالا ونساء. مجتمع يريد الحداثة ويخشى منها في الوقت نفسه. يتطلع الى التقدم لكنه غير مستعد لدفع ثمنه الثقافي والاخلاقي. واظن ان الجدل الواسع الذي يشهده المجتمع السعودي حول حقوق المراة ودورها وموقعها في النظام الاجتماعي، هو دليل على تحولها فعليا الى مركز توتر رئيسي. وجدنا خلال السنوات الاخيرة تغييرات ملموسة، مثل اقرار المجتمع بحقها في العلم، ثم في العمل، واخيرا مشاركتها في بعض اطراف الحياة العامة مثل التجارة والاعلام، واخيرا دخولها مجلس الشورى والمجالس البلدية.
واظن ان التغيير في هذا الاتجاه سوف يتواصل. وسوف يتعلم المجتمع كيف يتكيف مع هذا التحول. لكن لا بد من الاشارة الى ان التحولات الكبرى كانت ثمرة لقيام حركة نسائية واسعة، منظمة، ومتنوعة التعبيرات. الحركة النسائية في المملكة لا تزال صغيرة الحجم نسبيا، ولهذا سيمضي وقت طويل قبل ان تتحول مشاركة المرأة في الحياة العامة اعتيادية.