آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

ريما خلف وتقرير العنصرية

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

نحن «العربان» تبرمجنا على فكرة النظام الأوحد الذي يحل كل المشاكل، هذه النظرة الضيقة انعكست في طريقة تفكيرنا وتقييمنا للأمور من حولنا، فأصبحنا نحلل القضايا على طريقة الأبيض والأسود

قال لي أحدهم كونك من المهتمين بالشأن الإنساني فمن المؤكد أنك ستكتب هذا الخميس عن مناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، الذي يوافق 21 مارس، ثم أردف قائلا في سرعة من أمره، ما أكثر الاحتفالات التي تعلنها الأمم المتحدة؟ ففي هذا الشهر مثلا احتفلت في 8 مارس باليوم العالمي للمرأة وفي 20 مارس باليوم العالمي للسعادة!

فقلت بالطبع ليس ذلك غريبا؛ فالأمم المتحدة تخصص أياما محددة لموضوعات كثيرة، كالشعر والمرأة الريفية والملاريا، حتى إنها خصصت يوما للطيور المهاجرة، وغيرها. ثم سألني: هل الأمم المتحدة تعمل لكي يسود الخير في العالم كله - أجب بنعم أو لا؟

فقلت لا أستطيع الإجابة بالطريقة التي تريدها أنت. في الواقع نحن «العربان» تبرمجنا على فكرة النظام الأوحد الذي يحل كل المشاكل، هذه النظرة الضيقة انعكست في طريقة تفكيرنا وتقييمنا للأمور من حولنا، فأصبحنا نحلل القضايا على طريقة الأبيض والأسود، فهناك من يعتقد في مخيلته بأن الأمم المتحدة منظمة إنسانية خيرية، هذه النظرة خيالية وغير واقعية، لأن الأمم المتحدة في الأصل منظمة سياسية عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة، فهي كمنظمة وإن كان الغرض من وجودها إرساء العدل والتسامح واحترام حقوق الإنسان، إلا أن أغلب برامجها واحتفالاتها هي سياسية بالدرجة الأولى، ولكن في الحال ذاته تجد أن هذه المنظمة حققت كثيرا من الإنجازات، فقد تمكنت من تسوية كثير من النزاعات الإقليمية، وساعدت على منع الحرب العالمية الثالثة بين أميركا والاتحاد السوفييتي، وساعدت على إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وساهمت في تقديم المساعدة الإنسانية إلى ضحايا المنازعات، وتقديم المعونة إلى اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1950، عن طريق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وكذلك في 2006 وللمرة الأولى أنشأت مجلس حقوق الإنسان، وأصبحت أكثر من 192 دولة تقدم سجلها الحقوقي في المراجعة الدورية الشاملة.

فلنأخذ مثالا آخر الناشطة الحقوقية «ريما خلف» الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «إسكوا»، التي أعلنت قبل أيام وتحديدا في 17 مارس استقالتها بعد أزمة التقرير الذي نشرته اللجنة، والذي اتهمت فيه إسرائيل بتطبيق سياسات وممارسات تمثل جريمة «‬فصل عنصري» ضد الشعب الفلسطيني، إذ اتصل عليها الأمين العام ليطلب منها تعديل التقرير، فلم توافق فتقدمت باستقالتها التي تم قبولها على الفور. «ريما خلف» كانت تعلم بأن الدكتور «بطرس غالي» - الأمين العام للأمم المتحدة - حينذاك، لم تجدد رئاسته كأمين عام لأنه أظهر تقريرا عن دور إسرائيل في جرائم حرب، وكانت تعلم كذلك بأن الأمم المتحدة أوكلت مؤخرا لإسرائيل رئاسة اللجنة القانونية المتعلقة بالقانون الدولي ومكافحة الإرهاب، وهو ما يُعد تجاهلا تاما لتاريخ إسرائيل الدموي والعنصري وعمليات انتهاكها للقانون الدولي. «ريما خلف» تعلم كل ذلك لكنها كانت مدركة بأن هناك مكاسب في هذا العمل الإنساني. لقد سجلت الدكتورة «خلف» موقفا إنسانيا مهما، فاستقالتها المُدوية على كافة الأصعدة، فتحت وتفتح أُفقا رحبا أمام كل الأصلاء والأحرار من الحقوقيات والحقوقيين في العالم.

أخيرا أقول: صدق الشاعر الفلسطيني محمود درويش عندما قال في رائعته قصيدة الأرض: «شهر آذارَ، في سَنَة الانتفاضة، قالتْ لنا الأرضُ أسرارَها الدمويَّة».