آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

حقوق المرأة ليست ترفا

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

تجزئة حقوق المرأة هو نوع من التهرب من تطبيق بقية حقوقها، لذلك فإن الأجدى عدم الالتفاف حول هذه الحقوق، والبحث من الناحية العملية في الآليات الممكنة لتمكين المرأة على كافة الأصعدة

ليس جديدا أن نسمعها من المعارضين لقيادة المرأة للسيارة في بلادنا، ولكن هذه المرة جاءت من إحدى عضوات مجلس الشورى عندما طرح سؤال حق المرأة السعودية في القيادة، فكان ردها استفزازيا، إذ وصفت ذلك بأنه ترف، قائلة «التوظيف هاجس وقيادتها في ذيل أولوياتي، فهناك أولويات أهم من ذلك، فالمرأة تحتاج للوظيفة والإعالة، وعدد المطلقات في المملكة كبير، والمعنفات أيضا، ونحن نعجز عن إيجاد حلول لإيجاد وظائف لهن، وقيادتها الآن تعتبر ترفا من وجهة نظري»، بعبارة أخرى يقصد أصحاب هذا الرأي أنهم مشغولون جدا الآن فقط بتوفير فرص العمل والعيش الكريم للمواطنات السعوديات، وربما عندما ينجحون في ذلك، ولا أدري متى؟ يمكن بعدها أن يعكفوا على ما يبدو ترفا في الوقت الحاضر، ويسمحوا للمواطنات بممارسة حقهن في القيادة. لا أظن أن هذه الحجة يمكن أن تخدعنا، فوراءها فهم مغلوط لحقوق الإنسان، لا أظن أنه متعمد، ولكنه ناتج عن تصور خاطئ لمفهوم حقوق الإنسان، وهو تصور شائع، ليس بالضرورة نتيجة الجهل، أو فلنقل إنه ليس نتيجة الجهل وحده، لكنه تصور مريح لأصحاب هذا الرأي، ويستند هذا التصور الخاطئ إلى أن قضية حقوق الإنسان قابلة للتجزئة، وهو جهل أكيد بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، فالحقوق لا يمكن أن تتجزأ بأي حال من الأحوال، بمعنى أنه لا يمكن إعمال حق إعمالا كاملا بدون إعمال الحقوق الأخرى، هي في واقعها منظومة متكاملة ومترابطة، فلا يمكن ممارستها بشكل منعزل الواحد عن الآخر، إذ تتساوى في الأهمية، لأن القوة المعنوية لاستحقاق حقوق الإنسان هي السر في تعذر اختزال هذه الحقوق. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نجد أن المواثيق الدولية لا تصنف أبدا الحقوق بترتيب هرمي وفقا لأهميتها، هذه المسألة تجاوزها المجتمع الدولي منذ أكثر من عقدين من الزمن، وقد تم التأكيد عليها وحسمها في مناسبات عدة، منها المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان عام 1968 على عدم قابلية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للتجزئة، أيضا أقر إعلان وبرنامج عمل فيينا عام 1993، والذي تبناه المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ ترابط حقوق الإنسان، فهي متساوية ومترابطة مع بعضها البعض وضرورية للتنمية الكاملة للإنسان وتحقيق الرفاه له، لذا فمن غير الممكن أن يكون هناك تطبيق فاعل لحقوق معينة مع غياب الاحترام للحقوق الأخرى. فحق المرأة في القيادة هو حق من الحقوق المدنية تم التأكيد عليه في كثير من المواثيق والمعاهدات الدولية تحت عنوان الحق في التنقل، وهو ما ينص عليه في المادة 13في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 12 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأما الحق في الوظيفة فهو كذلك حق من الحقوق الاقتصادية، فهذا حق وذاك حق، وليس هناك مبرر لتقديم بعضها على بعض. فالحقوق المدنية ضرورية للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

أخيرا أقول: إن محاولة تجزئة حقوق المرأة هو نوع من التهرب من تطبيق بقية حقوقها، لذلك فإن الأجدى عدم الالتفاف حول هذه الحقوق، والبحث من الناحية العملية في الآليات الممكنة لتمكين المرأة على كافة الأصعدة.