آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

المثقف العربي ومتطلبات التغيير

نجيب الخنيزي صحيفة الجزيرة

لدى تناولنا الخطاب الثقافي والمسألة الثقافية العربية بمكوناتها وعناصرها ومسارها المعقد والمتناقض، لا بد من الوقوف إزاء خاصيتين متلازمتين لأية ثقافة، وهما: أولا: الاستقلالية النسبية للثقافة والأفكار والمعرفة، ومع أن المجال الثقافي يدرج في العادة ضمن البناء الفوقي الذي يشمل الدولة والقانون والحقوق والأخلاق.. إلخ غير أن تموضعه الخاص يتجاوز علاقات الاستتباع الميكانيكي «الانعكاسي» للبناء التحتي بعلاقاته الاقتصادية/ الاجتماعية مما يعطي للثقافة بعدها الخاص المؤثر والمميز ضمن التشكيل والنسق القائم.

ثانيا: تاريخية الثقافة أو البعد التاريخي للثقافة العربية بمكوناتها وعناصرها ومسار تطورها مرتبطة إلى حد بعيد بالمسار والنسق الاجتماعي العربي العام، إذ لا ثقافة خارج المجتمع في تحولاته وتبدلاته البنيوية بفضل العوامل الداخلية «الخاصة» والخارجية «العامة» الموضوعية.

ضمن هذه العلاقة الجدلية المترابطة والمتبادلة يتحدد موقع ودور البنية الثقافية خصوصا في مرحلة الانعطافات والانقطاعات الحادة، مما يتطلب مساءلة الخطاب الثقافي العربي بأسئلته وتساؤلاته القديمة/ الجديدة، وتحديد جذور أزمته، وهو ما يقودنا بالضرورة إلى الكشف عن جوهر الأزمة البنيوية العميقة للدولة العربية القطرية ومدى هشاشتها وقابليتها للتشظي والاندثار وفقا للهويات الطائفية والدينية والعرقية القبلية.

الواقع العربي المأزوم، بمستوياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أفرز ثقافته وفكره المأزوم فهنالك تداخل بين أزمة الثقافة وثقافة الأزمة. لذا أمام الثقافة العربية مهمة صعبة وتحد خطير، خصوصا في مرحلة العولمة وتجلياتها الثقافية والمعرفية والمعلوماتية، وما يطرح من مقولات حول صراع الحضارات والثقافات وتصوير قوى ودول نافذة ومتحكمة في النظام العالمي بأن الصراع الرئيسي في العالم أصبح يتحدد بعوامل ثقافية وحضارية ودينية، وبأنه يتمثل أو يدور في هذه المرحلة التاريخية بين الإسلام كدين وثقافة وحضارة وبين الغرب الذي يمثل النقيض تماما.

الإشكالية هنا لا تكمن في تأزم الواقع العربي فقط بل إن البديل أو البدائل المقترحة مأزومة أيضا مما يعطل القدرة على الفعل والتأثير ومجابهة التحديات الداخلية والخارجية. الثقافة العربية السائدة هي أسيرة نمطين وشكلين من الثقافة وإن بدا أنهما متعارضان من حيث المنطلقات والمقدمات إلا أنهما في التحليل النهائي يلتقيان عند جذر واحد ويمثلان وجهي عملة نقد واحدة، من شأنها الإبقاء على التخلف والجمود وتعطيل القدرة على التغيير والتجاوز.

فالثقافة المستمدة عناصرها من التراث فقط تعيد إنتاج ثقافة ماضوية سلفية متزمتة تستند إلى النقل والتلقين والتقليد، وتعادي العقل وترفض الأخذ بمستلزمات التطوير والتغيير الذي يتطلب الانفتاح والاجتهاد والإقرار بالتعددية.

وفي موازاة ثقافة الهروب إلى الماضي هنالك ثقافة الهروب إلى الآخر وهي الثقافة التي تستمد عناصرها من المراكز الثقافية «الغربية» العالمية وتبني ومحاولة فرض أو إسقاط المفاهيم والنظريات الغربية بغض النظر عن مدى صحتها وعلميتها بصورة آلية، ودون الأخذ بعين الاعتبار الظروف والخصائص المختلفة، لتطور البلدان والمجتمعات العربية، مما فرض عليها حالة من العزلة والاغتراب وهامشية الفعل والتأثير في الواقع العربي. ففي الحالتين تسود ثقافة التقليد والنقل والمحاكاة والاستهلاك ثقافة إعادة إنتاج التخلف والتبعية.

التغير هو عملية سيرورة متصلة تفرض وتتطلب على الدوام مواكبة مستلزمات التقدم والتطور من الأدنى إلى الأعلى ومن البسيط إلى المعقد، في علاقة جدلية دائمة لا تعرف المراوحة، وهو ما يستدعي النظر إلى الأمام والمستقبل والتحديات التي تواجهنا بروح متفتحة وشفافية، لا تخشى متطلبات التغير والتجديد التي هي سنة الحياة وهو ما يفرض امتلاك الأداة والعدة المعرفية/ النقدية المناسبة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ضمن سياق العولمة الذي لا يرحم المتقاعسين والمتلكئين والمترددين.