آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

وزير قطيفي في حكومة العارفين!

محمد رضا نصر الله صحيفة الرياض

قبل أيام نشرت جريدة ”الشرق الأوسط“ تحقيقاً طريفاً عن شبيه محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي.. الذي امتنعت القوات الأمريكية عن اعتقاله بناء على طلبه!! استهجاناً بدوره التهريجي في تلميع نظام صدام حسين ورئيسه، بطريقة أضحكت الأعداء قبل الأصدقاء!..

وقد ذكر شبيهه في الاسم والقريب الملامح رغم سمنته، أن عائلته ذات الجذور القطيفية، قد امتدت كحال باقي أسر وقبائل الجزيرة العربية إلى العراق.. ولا يستبعد أن تكون ثمة قرابة بعيدة بينه وبين الصحاف الوزير.

لقد استدعى هذا سيرة قطيفي آخر، هو سلمان الصفواني، الذي ترك مسقط رأسه صفوى في العشرينات الميلادية من القرن العشرين، بعدما تعلم القراءة والكتابة، ودرس القرآن الكريم على معلمي بلدته الصغيرة.. إلى بغداد.

وفي الكاظمية إذ كان شاباً متحمساً إلى أقصى الحدود - كما يعبر - قرر الانضمام إلى حركة الإمام الخالصي، المناهضة ضد إقرار الدستور البريطاني على مملكة فيصل الأول، لتمرير معاهدة الانتداب البريطاني على العراق.. فما كان من عبدالمحسن السعدون رئيس الوزراء ووزير الداخلية، بعد حكومة عبدالرحمن النقيب، إلا أن رضخ لمقاطعة العلماء المحرّمة للمعاهدة تحت غطاء الدستور، فراح يتفق مع السير برسي كوكس المندوب السامي، على تخفيض مدة المعاهدة من عشرين عاماً إلى أربع سنوات، بغرض قبولها جماهيرياً!!.. ومع ذلك فقد أصر الإمام الخالصي على موقفه، مما دفع بحكومة السعدون المنصاعة لأوامر المندوب السامي.. إلى القيام بنفي الخالصي وأبنائه ومعهم الشيخ سلمان الصفواني القطيفي، إلى البصرة فالحجاز حسبما أوصى وزير الداخلية، في برقيته إلى الملك فيصل الأول.. الذي أجاب: ”إذا كان العمل ضرورياً تجاه الشيخ مهدي فأرغب أن يكون بكل احترام وبصورة لا تخل بكرامته الشخصية، وأن لا تعجز عائلته ولا تخوّف“.

هذا الخلق الملكي العالي، شجع سلمان الصفواني، نحو خطوة أكبر في رمال الحركة الوطنية العراقية، فأصدر جريدة ”اليقظة“ ببغداد يوم الجمعة 5أيلول 1924م، واستمرت بين إيقاف واستمرار حتى عام 1959، بعدما ”هجم الشعوبيون - يقصد الشيوعيين المتنفذين في حكومة عبدالكريم قاسم - في وضح النهار على مكاتب جريدة اليقظة وأحرقوها ونهبوا موجوداتها“ كما يقول.

من هنا نتبين هوية الثقافة السياسية للصفواني، حيث عرف قومياً ملتهباً، هو ما جعل اليهود العراقيين يتهمونه بالتطرف.. وقد قرأت مثل هذا التذمر، قبل سنوات قليلة في جريدة الحياة، على لسان الروائي سمير نقاش أحد اليهود العراقيين، ممن هاجروا إلى إسرائيل.. وبسبب هذه الثقافة اتهمت سلطة الاستعمار البريطاني، الصفواني بتحريض عشائر الفرات الأوسط ضد وجودها، فقررت سجنه مدة سبع سنوات.. وفي السجن المركزي ببغداد كتب رسائله إلى زوجته، معبراً عن معاناته الإنسانية والسياسية والأدبية.. فطبعها بلبنان سنة 1937بعنوان ”محكوميتي“.

كذلك فقد امتدت علاقاته برموز الفكر القومي على امتداد الوطن العربي، كما عمل مراسلاً لمجلة ”البلاغ“ المصرية، وارتبط بعلاقة أدبية مع الأديب المصري الدكتور زكي مبارك، وجرت بينهما مساجلات منشورة.. وعلى صعيد العمل الوطني العراقي، فالصفواني هو أحد مؤسسي حزب ”الاستقلال“ الشهير.. إضافة إلى أنشطة ثقافية واجتماعية وإدارية أخرى، جعلت الرئيس عبدالسلام عارف يختاره وزيراً لشئون مجلس الوزراء، واستمر في منصبه مع رئاسة شقيقه عبدالرحمن عارف.. هذا وقد قمت بزيارة الأستاذ الصفواني في نهاية السبعينيات الميلادية في بيته.. فألفيته شيخاً وحيداً حزيناً على زوجته التي فارقته.. إلا أنه لم يبخل عليّ بحديث ممتع عن تجربته الواسعة في دنيا السياسة والصحافة والأدب، حتى عده الباحثون العراقيون أحد أبرز قادة نهضتهم الحديثة في القرن العشرين..

مقابلة ومواد صحفية منشورة لإبراهيم القيسي وحارث طه الراوي في إحدى الصحف البغدادية بتاريخ 1987/6/14م.