آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

مخاوفنا الحياتية

ياسين آل خليل

نحن جميعًا ولدنا أرواحًا حرةً، بريئةً، نقيةً، لا تعرف الى المخاوف طريقًا. ما أن بدأنا نأخذ أول نفس خارج بُطُون أُمّهاتنا، حتى بدأنا نتعلم دروسنا الحياتية الأولى. ودون أن تكون لدينا القدرة على تمييز الخبيث من الطَّيِّب، ودون أن تنتابنا أي مخاوف تُذكر، كان شغفنا للتّعلم كبيرًا وعارمًا. عائلاتُنا ومدارسنا وبيئتنا الحياتية، هي التي لعبت دورًا مفصليًا في تشكيل طريقتنا في التفكير وبالتالي تصرفاتنا على مسرح الحياة.

كل يوم يمضي، كنّا نكبر وكانت هناك مخاوف تكبر فينا جرّاء ممارساتنا الحياتية التي تعلمناها والتي كانت لا تخلوا من التعليمات التحذيرية المغلفة بالخوف. فمنذ أن طلعنا على هذه الحياة أطفالًا لم نكن نخاف من المحاولة أو الفشل. كنّا نقف على أقدامنا ونقع من ثاني خطوة، لكن ذلك لم يمنعنا من المحاولة، هكذا تعلمنا المشي. لم نكن نتذمر من إخفاقاتنا المتتالية، بل كنّا دائمًا يحدونا الأمل بأننا سننجح في المرة التالية. لم نكن نضع أي اعتبار لخوف، فمن أين تسلل لنا هذا الشَبَح الذي يضج مضاجعنا ولا تكاد تأتينا فرصة، إلا ونراه ينتظرنا على حافة الطريق..!

مخاوفنا متعددة ومتشعبة، أحدها يتمثل في خوفنا من الإخفاق والفشل. في كل مرة نجد فيها أنفسنا عالقين بسبب خوفنا من أن نتجاوز حدود الراحة التي رسمناها لأنفسنا، يُخيّل إلينا بأن شيئًا كبيرًا على وشك أن يحدث. هنا يحق لنا أن نسأل ونتساءل، ماهو أسوأ شيء ممكن أن يحدث لنا..؟ هل نتصور أن الأرض يُمكن أن تخرج عن مسارها مثلًا، أو أنها قد تهتز وتتشقق وتُخرج ما في بطنها من حمم. لماذا نحن نُبالغ في توقعاتنا ونقسوا على أنفسنا وكأن الإخفاق من الكبائر. أحبتي خذوها مني، وأنا ذلك الإنسان الضعيف والُمعَرّض للإخفاق في كل لحظة، لا تجزعوا من إخفاقاتكم، فأنتم كلما أخفقتم كلما كان النجاج لكم أقرب.

ليت الخوف من الإخفاق هو الشَبَح الوحيد الذي يطاردنا، بل بات النجاح أكثر رُعْبًا، لأنه يضعنا في مسئوليةٍ أكبر قد لا نرى فيها أنفسنا قادرين بما فيه الكفاية على مواجهة تحديات الموقف. نحن بحاجة إلى أن نكون شفافين مع ذواتنا والاعتراف لها بأن ما وصلنا إليه من نجاحات في حياتنا وفي شتى المجالات والأصعدة، لم يكن من قبيل الصدفة، بل نتيجةً لكثير من العمل المتواصل والمثابرة. وأننا حقًّا وبكل فخر نستحق تلك المكانة وأن ذلك لا يدعونا للتوتر والخوف.

ما سبق الحديث عنه، ليست النهاية. تبقى مخاوفنا من النظرة التي يرانا عليها الآخرون، والتي نعطيها أهمية أكبر من تركيزنا على كيفية أدائنا كأفراد. وهذه عُقدة تُلازم الكثير منّا وتقلقنا لحد الرهبة من أن نُرفض وبالتالي نتحول إلى أُناس غير مقبولين بين تلك الأفراد والمجتمعات. شعورنا بالانتماء الى مُجتمعاتنا هي حاجة فطرية، وإنسانية في المكان الأول، تُعززها خشيتنا من العزلة التي باتت مصدر أرق للكثير من الناس. يستوقفنا هذا المقام لنسأل أنفسنا.. إلى أين نحن ذاهبون..؟ وهل هناك من مَفَّرْ..؟

علينا أن لا نسمح لمخاوفنا أن تحكم حياتنا وبالتالي تُدمّرها دون وعي منا. مَخاوفنا ليست بأكثر من حواجز نُشَيّدها بأيدينا ونحن نعلم مُسبقًا بأن تلك المخاوف هي مصدر إجهاد وتعب لأنفسنا، إضافةً لما تبدده وتنسفه من ساعات وأيام هي في الأخير عمرنا الذي لا يُقَدّرْ بثمن. خلف مخاوفنا تختبئ الكثير من أمانينا، والخيارات أمامنا كثيرة، تبقى قدرتنا على التمييز بين الصالح والطالح، إحدى أهم التحديات التي تواجهنا. علينا أن لا ننتظر مُعجزةً أو حَدَثًا هَامّا يُغيّر مجرى حياتنا. تفانينا في العمل وتحدياتنا الجادة لأنفسنا والظروف المحيطة بِنَا هي من سيخلق ذلك المارد بداخلنا والذي سيقف أمام جميع تلك المخاوف ويقلب الطاولة ليقول "كفى أيتها المخاوف تدخلًا في حياتي، فاليوم القرار قراري".