آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

«اعتدال».. ونقدُ الأسس المرجعية للعنف والإرهاب

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

إنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف ”اعتدال“، هو بداية لمأسسة العمل الفكري الناقد للبنى المعرفية والفقهية التي ينبني عليها العنف، وتشكل مرجعية رمزية وذهنية للإرهاب.

طالما كانت عمليات القتل والتفجير والاغتيال، نتيجة نهائية لمقدمات وسلسلة طويلة من المناشط تسبقها، منها ما هو فردي، ومنها ما يأخذ صورة حواضن اجتماعية، ومنها ما يتأسس بشكل هيكلي حزبي، جميعها تقوم بعملية توطين لفكر التطرف، وجعله منظومة متماسكة، لديها خطوطها العامة، وأدلتها، وحججها المدعمة بالشواهد، ولديها تبريراتها التي ترد بها على المقولات الناقدة.

إن المهمة المنوطة بمركز ”اعتدال“ معقدة وصعبة، لأنها لن تكون في مواجهة نقدانية مع ”الإرهابيين“، بل مع فكر آبائهم المؤسسين، في متون تلك الكتب المرجعية، والنصوص التي أصبغت بهالة من القداسة، فبات الكثيرون يخشون ملامستها، أو إزاحة الغبار عنها، خوفا من الرمي بالزندقة أو الهرطقة أو التكفير.

الفكر المتطرف هو منظومة كامنة في ”لا وعي“ شريحة من المجتمع، ليس في السعودية فقط، بل في كثير من الدول العربية والإسلامية، وحتى المجتمعات المسلمة في أوربا وأمريكا، وهذا ما يفسر لنا وجود حواضن للإرهاب في أوروبا، كما أشار في كلمته وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، عندما انتقد السياسات المتبعة تجاه ”الأصوليين“ القادمين من دول أوروبية، ليحملوا السلاح ويقاتلوا في أماكن النزاعات، مثل سورية والعراق وليبيا!

صحيح أن غياب العدالة الاجتماعية في بعض الدول، كما شح فرص العمل، وارتفاع معدلات البطالة، والشعور بالضعف، كما فقدان الأمل.. وسواها من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هي أسباب رئيسة في نشوء ظاهرة ”الإرهاب“. إلا أن الفكر المتطرف الذي ينشره عدد كبير من الدعاة عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي وحلقات التدريس، هذا الفكر هو الذي يشكل الرافعة للعنف، ويجعل حالة الغضب تتحول من مجرد شعور نفساني فردي، إلى تصرف عنيف تجاه الآخر!

إن مهام ”اعتدال“ كما أعلن عنها ستكون متوزعة بين الرصد والتحليل والتفاعل، عبر تقنيات عالية الدقة. إلا أن هذه المهام على فائدتها الجمة، يجب ألا تقتصر على متابعة ما يبث في وسائل التواصل الاجتماعي، وحسب، بل أن تكون هنالك شجاعة في نقد مرجعية الفكر المتطرف، وعدم محاباتها، لأي مذهب فقهي انتمت، أو طائفة إسلامية، أو تيار فكري أو سياسي. لأن أي انتقائية في نقد التطرف، ستؤدي إلى التسامح مع شكل من أشكال العنف، على حساب العنف المضاد له.