آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

وجه اليقين

شمسه أحمد الصفواني

تخالجني روحي أن أخاطبك يا سيدي فهل لي بهذا الشرف ليست جديرة بذلك. ولكني لا أستطيع أن اجاري من يخضون في غماركم فلا أحد يقارب شواطئكم فكل تصور فيكم تصور ناقص لذلك الأصل الكامل فلا ندى لكم في الفكر والروح والبيان في أي زمان ومكان كما قال مخائيل نعيمة ”فلم يرى من اخلص بكل ذراته لمولاه كعلي“

لقد نسخت مخيلتي الصغيرة تلك الصورة المهيبة لذك البطل الأغر القابض على سيف القدرة الإلهي عبر حكايا ابي الذي امتلئ قلبه حباً وولاءاً، فأوقد في ارواحنا تلك الشعلة الدافئة في ليالي الشتاء الباردة فامتلأت نفوسنا بقصص البطولة والفخار لتبعث فينا الأمل بأن الحق قويا وينتصر، وكم طربت اذاننا بتراتيل تلك السيرة الخالدة في ليالي الصيف المملة فكانت اشبه بخيال الناسجين للأساطير، فلم نحتج لقصص الف ليلة وليلة ولا لإلياذة هوميروس.

في الصبا اخذتنا الأفكار من هنا وهناك، فما ولدنا عليه وما اريد لنا ان نكونه فهي حرب يسقط فيها الكثيرين لكن يقيننا فيك لم يفتر فلقد رضعناه في حليب امهاتنا كما قال الشاعر:

لا عذب الله ام انها شربت

من خير ثديا حباه الله بالمنن

وأرضعتني بإيمانا على ثقة

حب الوصي وغذتنيه بالبن

وكان لي والدا يهوى أبا حسن

فصرت من ذي وذا اهوى أبا حسن

ظل فينا ذلك الدفء والبريق لبصرنا وبصيرتنا وأوقدنا حباً ويقيناٌ وولاءً ومن أريد له أن يتنازل عن ذلك النعيم تطفئ روحه وتعلوه تلك النظر الباردة القاسية نعم فقد فقد ولاية على.

أحبك يا سيدي أحب فيك ذلك الحق الذي لم يساوم ولم يتزحزح منذ ان عرفته على يد ابن عمك وتوأم روحك فقد درجت بين يديه وتربيت في حجره تحذو حذوه في كل خطوة وهمسة، يحار العقل فيك بل انك تتحدى العقل واللسان والقلم ما سرك يا سيدي فقد حزت كل المعالي والفخار الخالد. وكثيرون هم من تاهوا فيك فمنهم من ناصبك العداء حسداً وبغياً، ومنهم غالى فيك ووضعك في مصاف الآلهة، وماعلموا أن أقوى قوتك أنك عبداً جسد العبودية بكله. لقد اختارك العلي الأعلى لتكون في أقرب القرب منه فتنشقت أولى نسماتك ضيفا في بيته ذلك الشرف الذي لم ينله غيرك. لقد استقبلتك الدنيا وأنت في محرابه ساجداً ولازلت لم تبرح ساجدا ولم يعرف عنك سجودك لغيره، فلم تسلم هامتك العلية لسواه لينتهي بك ذلك العبق الطاهر وانت ساجداً في بيته أيضا، ولقد حملت الجميل لذلك البيت فكنت انت المخلص له من رجس الأوثان والطواغيت، وما بين السجدتين كانت سيرتك مسار سجود له وحده فحطمت بذلك كل الطواغيت. طواغيت النفس والجاه والسلطان فتلك كلماتك النورانية ”يا دنيا غري غيري“ وكذا بطواغيت الفساد والغدر والنفاق، ولقد افقدتهم النطق وأسقطت ما بين أيديهم من هول صدمتهم فيك لقد حطمت جليد ارواحهم الباردة قبل طواغيتهم بفدائك لأخيك، وقد امررت ذلك الميراث للحسين والعباس لقد كانت امثولتكم في الأخوة والإيثار.

فأين ابحث عنك ولا أجدك.

فكل زمان كان علياً بعقله وقلبه ولسانه وذو فقاره «جورج قرداح».

لقد سطر فيكم بولس سلامة الأديب الشاعر ملحمة في ثلاثة ألف بيت. وهو المسيحي الذي لا تغلبه عصبية التشيع لعلي ولا يغلبه الغلو في شرعته،

هو الفخر للتاريخ لا فخر شعباً يصطفيه ويدعيه ولياً

ذكره ان عرى نجوم الليل

شق فلقة الصباح نجيا

يا علي العصور هذا بياني

صغت فيه وحي الإمام جليا

يا امير البيان هذا وفائي

احمد الله أنى خلقت وفيا

انت هناك في بدر حيث برزت الفئة القليلة للفئة الباغية تتقدم ويجبن غيرك لتقارع صناديدها وتجندلهم وتحسم النصر بحسام يقينك فأكبت عليك احقادهم لقد كان بتارا فيهم بإرادة العلي الأعلى ماضيا فيهم كما ملائكة النصر. حسام إيمانك ويقينك كذو فقارك لا يتقدم هذا عن ذا وما رمينا إذ رمينا ولكن ذو الفقار رمى. انت معه تذب عن وجهه الكريم وقد نزف وكسرت رباعيته وحُسر عنه القوم لجمع الغنائم تفديه بروحك كما فعلت دائما. وتدك حصون الغدر والخيانة في خيبر فيأتي ندائك ”انا الذي اسمتني امي حيدرا“ فترتعد قلوبهم في اكفهم، وهناك في حنين ترفع رايته وتثبت حيث يتزلزل القوم عندما اصطكت الأسنة، فأورثتهم احقادا بدريه وحنينيه كيف لهم أن يزيغ حقهم عنك وأنت أنت الحق الأبلج كنور صباحاً لا يغيب «علي مع الحق والحق مع على» كيف لهم ان يراهنوا على غيرك وهذا الدين لم يشيد إلا بيقينك وحسامك فلا أقول أن المشهد لا يكتمل إلا بكما، بل أن ابن عمك وأنت المشهد كله فلله دركما من روح واحدة نفخت في جسدين ”انا وعلي من نور واحد“

وكيف لي وانا في ثورة الصبا ان أجد في سجلات التاريخ نور اليقين والبطولة في الحق مثلك فأقول هذا إمامي وقائدي وأنا اتشرف بالانتماء والولاء له، فيرتد فينا ذلك الصوت الحنون ”أحب الله من أحب عليا“ فنزداد فيك حبا وهياماً، أنت حب محظ لقد لهج فؤادك ولسانك بأعذب وأرق مفردات المحبة، لحبة قلب المختار التي لو لم تكن أنت لم يكن لأحد أن يكون كفاً لها.

كيف لقلبك الجميل يا مولاي أن يفارقها.

حبياً ليس بعدك لي من حبيبا

وما لسواه قلبي من نصيبا

حبيبا غاب عن عيني وجسمي

وعن قلبي حبيبي لا يغيبا

لقد نسجتم ذلك العش بأروع آيات الحب والمودة لقد سقيتم تلك العترة بحليب الطهر والقداسة، حتى لقد أخذتم الطعام من افواههم لتطعموه على حبكم لهم مسكينا ويتيما وأسيرا حتى ولقد شمخت ارواحهم في عنان السماء وطاولت ملائكة الرحمان لقدسها وطهارتها وكانت ثمرة ذلك البيت حفظ عترة النبي وحفظ لنا ذلك البيت كل ما ننتمي ونفخر به.

الفراق الصعب للخليل والحبيبة، لكأن المصائب لا تأتي فرادى.

لكل اجتماعا من خليلين فرقة

وكل الذي دون الفراق قليل

وأن افتقادي لفاطمة بعد احمد

دليل على إلا يدوم خليل

وكيف هناك العيش بعد فقدهم

لعمرك شيء ما إليه سبيلا

لذلك جنبي لا يأتيه مضجعا

وفي القلب من حر الفراق غليل

غليل لا يفهمه سواك فخسارتك لا يفهمها أحد سواك لقد فقدت أعظم الكائنات التي خلق من أجلها الأفلاك، ومن خسر مثل ما خسرت؟؟!!! وقد اجتمع على قلبك مرارة الفراق وظلم البشر. رزئك لا يتحمله غيرك ولو لم يخلق الله بشراً مثلكم لا ماكانت لتلك الرزايا أن تحمل، تداعب ذلك الفتى النوراني وتلك الفتاه الطاهرة التي قاربت أبيها هيبة وحنانا ومنطقاً. وأنت تعرف ما يكون عليهم من أناس تراوحهم وتغاديهم. من أين لكم ذلك يا سيدي لقد تعلم منك المناوئين الجسارة فكيف لا نتعلم منكم نحن الموالين الصفح والعفو والعطاء والتجافي عن دار الغرور. كلما زادتنا الأيام ضعفاً زادتنا فيك يا مولاي حباً ويقيناً. فلم يبارحني مشهدكم في كل شيء حولي فأنتم الإيمان والإنسانية والطف والمحبة والبطولة والقيادة وحاكمية الحق وعدالة المظلوم والعلم المصبوب والغوث والرحمة الواسعة والمعين الذي لا ينضب من الحكمة والبلاغة والطلاوة ولكأنك ولدت لزمان آخر تتكامل فيه عناصر الإنسانية. أنتم البساطة والرضى والطهارة والقدس والدنيا والآخرة.

كففت ايدي المتنفذين قطعت دابر المارقين وأسست شرعة حقوق الإنسان وأنت من قال ”من اين لك هذا“ الذي يتغنى به اساطيل القانون والمطالبين بالشفافية وعدالة التوزيع حتى أذهل علمك اعدى اعدائك حين وردت تلك الدرر في رسائلك لمحمد ابن ابي بكر فقال: ”ما سمعت بأعظم واحكم من هذا العلم“ وتلك عهودك إلى الأشتر التي تعتبر وثيقة في الأمم المتحدة لتأسس لشرعة حاكمية الحق وعلاقة الحاكم بالرعية ومايسمى اليوم بالديمقراطية، كيف لك أن تكون ذلك الحسام الماضي بالحق وذلك العاشق الواله في مولاه الذي يذوب بكله فيه. أهذا سركم يا مولاي فكما اعطيته كلك فقد اعطاك كل هذا مما نعرفه وكثيراً مما نجهله، كل يوما ننحني فيك اعجاباً وذهولاً وقد أخذت منا الأيام مأخذها ووصلتنا رسل الموت ويكاد اليأس يسحق ارواحنا لضعفنا النفسي والجسدي. فنحن نطيع من حيث نعصي أحيانا، فيا رب كما اختارت لنا ان نواليه وأردت لنا أن نهواه اعطنا نفحات من روحه العلية، وثبتنا وذريتنا على ولايته وولاية اولاده وأن تجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين.

أتت ساعة الخلاص وأنت بين يديه كأقرب ما تكون إليه فنطلق نداءك الى الملكوت ”فزت ورب الكعبة“ وعلى يد من أراد له الله أن يتسربل بالشقاء فترنو تلك الروح الشفافة التي لم يتسع لها جسد للقاء الخلود حتى تكون آخر سطورك في كتاب الإنسانية لقاتلك لتوصي به.

حتى لكأنكم جئتم لعالمنا طيف من نسج خيال بل أنتم اليقين أنتم الخلود ولستم الأسطورة.