آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

بيئتنا تبدأ من نظافة شوارعنا

الشيخ حسين المصطفى

النظافة هي الصورة التي بنى الله الحياة على أساسها، فلقد خلق الكون جميلاً، طاهراً، نظيفاً، ينظِّف بعضه بعضاً، بما أودعه فيه من قوانين وأسباب... فنظام الكون كلِّه مبنيّ على النظافة، فالرياح تكنس، والمطر يغسل، والأرض تدفن، وهكذا... حتى غريزة الحيوان مفطورة على النظافة والتنظّف.

قال تعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ الأعراف: 56. و﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ البقرة: 60. و﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك: 15.

فالأرض مذللة أمامكم، تمشون عليها ميسرة ممهدة، خالية من كل تعقيد، وخالية من كل الشوائب.. مَنْ سخرها لكم؟ ومن جعلكم ترتقون سهولها وأوديتها وجبالها بكل بساطة وسهولة؟ ومن الذي يحركها حين تتحرك فيها الزلازل والبراكين؟ أليس هو الله ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا، وحافظوا على سهولتها ولا تعقدوها بالكوارث.

والتشريعات والتعاليم أكدت ضرورة محافظة الإنسان على هذا السلوك «النظافة» في كلِّ شيء، في عقله وقلبه وروحه ونواياه، وكل ما يشكّله أو يصدر عنه...

ولم يكتفِ الإسلام بدعوة الإنسان إلى الحفاظ على الطهارة الفكرية والروحية والإيمانية، بل الحفاظ على النظافة في الجسد والملبس والبيت والشارع والبيئة المحيطة... بحيث تكون النظافة في كلّ ما حولنا، لتبقى الصورة جميلةً، راقيةً، حضارية، وليكون الإنسان محميّاً من كلّ سلبيات القذارة.

والله سبحانه وتعالى يحبُّ التوّابين والمتطهّرين من عباده: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. وفي هذا، تأكيد التلازم بين نظافة الشّكل وطهارة المضمون.

ولأهميّة النّظافة، أدخلتها الشَّريعة في صلب أحكامها، عندما أكَّدت أهميَّة الطَّهارة، لتكون النظافة هي النتيجة، وقد شغلت النصوص الدينية عن التزام النظافة مساحةً واسعة من مسائل الفقه الإسلامي ضمن عدد من أبواب الفقه، والأحكام الشرعية الكثيرة، تُعنى كلُّها بنظافة الإنسان من القذارة والدنس في البُعدين المادي والمعنوي.

ومن هنا، نستطيع التأكيد أنَّ ديننا بُني على النّظافة.. ففي الحديث عن رسول الله ﷺ: ”تَنَظَّفُوا بِكُلِّ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّ اللهَ بَنَى الإِسْلامَ عَلَى النَّظَافَةِ، وَلَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ إِلا كُلُّ نَظِيفٍ“.

ولم يقف الإسلام عند حدٍّ معين في النظافة، بل دعا إلى النَّظافة العامَّة، لتشمل الشَّوارع والطّرقات، والحدائق العامَّة وأماكن الجلوس فيها، وكذلك نظافة مياه الأنهار والبحار، والغابات.

فعلينا أن نحافظ على نظافة شوارعنا كما نحافظ على نظافة بيوتنا، لا سيما إذا كان ما نلقيه في الشارع من البصاق أو المخاط أو النفايات يمكن أن يؤدّي إلى أمراض تنتشر من خلال الميكروبات. كما تمثل النفايات الالكترونية في الوقت الحاضر مشكلة أصبحت تؤرق العالم بسبب المخاطر البيئية والصحية التي تحدثها نتيجة لتراكمها وتقادمها وصعوبة التخلص منها أو إعادة تدوير بعض موادها وهو ما مثل تحديا أمام الدول المتقدمة وان كانت الدول النامية أشد ضرراً.

لذلك علينا أن نحافظ على بيئتنا، وعلى نظافة شوارعنا، كما نحافظ على ذلك في بيوتنا.

وأنت تقود سيارتك، قد تُلقي ما معك من النفايات في الشارع. والنبي ﷺ يعلمنا: ”إماطة الأذى عن الطريق صدقة“ فما بالك بالذي يُلقي بالأذى في الطريق؟! كيف يكون إثمه؟

وقال ﷺ: ”الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَفْضَلُهَا قَولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ“. فإماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان، وكأنّ الذوق أصبح جزءاً من الإيمان.

وجعل أيضاً المحافظة على نظافة الطريق كالمتصدق، إذن نحن في حاجة لفهم إسلامنا بشكل صحيح، لماذا تخاف الناس من الإسلام والالتزام؟ إذا كان كله ذوق وأدب بهذا الشكل.

نحن نفهم من كلِّ هذا، أنّ الجانب الاجتماعي في ما يجلب للناس الخير والراحة، حتى على مستوى إصلاح الطريق وإماطة الأذى عنه، أمرٌ لصيقٌ بالدين ومفاهيمه، وأنّ هذا الجانب الاجتماعي يجعل الإنسان مرضياً عند الله، فقد يرفع العذاب عنه به، أو عن والده، باعتبار أنه يمثل حالة صلاح في شخصيّته الإيمانيّة الإنسانيّة.

فكروا معي: لقد قالها النبي ﷺ ”إماطة الأذى عن الطريق صدقة“ والجزيرة العربية كانت حينئذ كلُّها صحراء، وإننا لا نشعر بتأنيب ضمير إذا ألقينا النفايات ونحن مسافرين في طريق صحراوي. لكنّ النبي ﷺ يعلمنا الحضارة منذ 1400 سنة، وكأنه ﷺ يقول هذا الحديث لنا هذه الأيام.

أيها الأحبة..

علينا أن نعي أنّ من جملة إسهامات الشريعة الإسلامية فيما يخصّ البيئة ورعاية جانبها، هو التركيز على حفظ الشوارع والطرقات من التلوّث والتقذّر، فهناك وصايا وإرشادات كثيرة واردة عنه ﷺ تؤكّد على إزالة الأذى والأحجار والأشواك والأوساخ من الطرقات.

والأسوأ من إلقاء النفايات: من يبصق في الطريق.. فاسمع هذا الحديث: يقول النبي ﷺ: ”إنّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم“ وهذا يكفيك لتتعلم الذوق في كل شيء، فانظر إلى أي شيء يتأذى منه ابن آدم وأعلم أنّ الملائكة تتأذى منه أيضاً.

إنّ الذوق والأدب واللياقة أصل من أصول الإيمان.

يقول النبي: ”إياكم والجلوس في الطرقات“.

قالوا: يا رسول الله ما لنا بد إنما هي مجالسنا.

يقول النبي: ”إن أبيتم إلا الطريق فأعطوا الطريق حقه“.

قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟

قال: ”غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“.

والحقيقة المرّة، التي يجب أن نتناوله ويؤثر أثره السلبي في بيئتنا، أنَّ ذوقنا وتعاملنا وسلوكنا المهذَّب مهدر في الشارع العام، ويمكننا أن نتناول مفردة مهمة وهي طريق مشينا في شوارعنا سواء كان مشياً أم بمساعدة السيارة..

لقد علمونا في بيوتنا القديمة: إياك والتسكع في مشيتك.. إياك أن تسير وتتخبط في الحجارة في الأرض، أليس كذلك؟!

وفي القرآن الكريم جاء ذكر أدب المشي في عدد من السور مثل سورة «لقمان» و«الفرقان». يقول تعالى عن وصية لقمان لولده: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 18 - 19].

فللجسد لغةٌ خاصة تعبِّر عن أفكار الشخص ونواياه ورغباته وأحياناً عن شخصيته وثقافته؛ ويرجع ذلك لأنّ لكل حركة معنى تكون أعمق من الكلمات أحياناً، ومن تلك الحركات أو الإشارات التي تمثل لغة الجسد طريقة المشي «السير».

ومعنى قوله تعالى: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا أنّ مشي المرء يُعطي مدلولاً على شخصيته، بل يعدونه ميزاناً للاستقرار والاتزان النفسي، ولذا يوجِّه القرآن الإنسان في طريقة مشيه أن لا تأخذه مشاعر الزهو؛ لئلا يتحوّل ذلك إلى حركةٍ استعراضيةٍ نزقةٍ لا توحي بالهدوء والاتزان؛ لأنّ الإخلال في هذا العنوان يكشف عن عقدة نقصٍ وعن حالة ضعف ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ.

وفي وصف مشية النبي محمد ﷺ؛ يقول هند بن أبي هال: ”إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ؛ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلامِ...“.

لقد كانت مشيتُه ﷺ مفعمة بالحيوية والنشاط والهمِّة والحركة الشاملة المنتظمة مع القوة وتتابع الخطى الثابتة الرزينة بلا توقف ولا عجلة ولا اختيال أو تنعم أو تبختر، وكان ﷺ يرفع رجليه من الأرض رفعاً بائناً بقوة، ويمشي ﷺ كأنما يصعد موضعاً عالياً.

وهذا الوصف دليل على التواضع والمثابرة وعلو الهمة أيضاً، والنشاط والتفاؤل، والتوكل والاحتساب، والحلم والصبر، وثبات المبدأ، ولم تختلف هذه المشية ولم تتبدل في العصرين المكي والمدني، بل كانت دوماً ثابتة عنه ﷺ، في مرحلة الاستضعاف ومرحلة الجهاد، في العسر واليسر. إنها مشية تتحلى بجميل الأدب والذوق ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا.

وعلينا أن نتذكر دائماً أنَّ «فلسفة الإعمار» تقوم على استصلاح الأرض واحيائها والقضاء على كلِّ ما هو ضار بها، وهو عمل تنموي يتطلب اعتماد خطة متكاملة على المستوى الزراعي والإنتاجي والاقتصادي والتكنولوجي والصحي، والاعمار في حال تحققه لن يسهم في حماية البيئة وتجدد عناصرها التي يستنزفها الاستهلاك المستمر فحسب، وإنما سوف يسهم في استقرار الحياة الاجتماعية أيضاً.

لقد أصبح تلوث البيئة ظاهرة نحس بها جميعاً، مسببة الأذى والضرر لكل الكائنات، وتعمل على إتلاف أو تغير الحياة البيئية الطبيعية بسبب وجود مواد غريبة فيها، وبدأت العديد من الدول تواجه أخطارا بيئية آخذة في التزايد، وما يترتب عليها من خسائر مادية.

ونحن بحاجة ماسة إلى خلق جيل تطوعي هدفه الارتقاء بالوعي البيئي لدى المواطن، وحث الجميع على العمل نحو حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.. على ما شهدته الكويت قبل أيام تحت مسمى «الملتقى الأول للفرق التطوعية البيئية» وبمشاركة فريق من سلطنة عمان، وبمشاركة نسائية واعية؛ حيث عرض الملتقى تجارب الفرق التطوعية والعديد من الفعاليات الهادفة إلى الارتقاء بالتوعية البيئية لدى المواطن والمقيم وحث الجميع على العمل نحو حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.