آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:38 ص

ملحمة كربلاء.. عاصفةٌ وجدانية

حسين آل يعقوب

إنني أتجنب أن أكون أديباً في قضايا التاريخ، إلا في هذا الموقف، إنها ”الجدبة“ التي لايستطيع المرء أن يتمالك أحاسيسه فيها، لأن الحدث بلغ من الدراماتيكية، مايفقد الإنسان تقنياته المعرفية.

لقد كان شعار الحسين بكربلاء ”الحرية“، ولذلك معنى عميق، يدرَك باستيعاب الحدث وفلسفته. انطلق الإمام وهو ينادي: ”إن كنتم لاتؤمنون بالله ولا تخافون الميعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم“. هي بالإضافة لكونها قضية اسلام وجاهلية، تبقى قضية حرية، اذ ان الذين طلبوه ثم خذلوه، كانوا يفتقدون للحس التحرري. التحرر من كل مايفقد الضمير يقظته، ويعكر المعاني والقيم في النفوس. لقد فقدوا حريتهم امام ”دنيا“ يزيد الزائلة، واستعبدهم بطشه، فافتقدوا الارادة، وافتقدوا معها الحرية. ولم تكن هذه المعركة تعبّر حتى عن الذهنية العربية، فمعارك العرب أسمى من أن تجمع جيشاً جرار، مقابل فئة من الناس. وقد كان الحس القبلي طاغياً على الحس الغنيمي عند العرب، والفضيلة غالبة على كل الإعتبارات الأخرى، فهذا القدر من الحرية، كان يفتقده جيش يزيد، وبالتالي كان يحتاجون لعدة قفزات للوصول الى مستوى الخطاب الاسلامي والمروءة العربية. فأهل الكوفة خير مثال للقوم الذين افتقدوا حس التحرر، وذلك من اهم القضايا التي واجهها الحسين والقوم الذين ضاع حسهم التحرري في منعرجات النزوع الدنيوي، لم يكونوا في حاجة الى ضمير ثوري، يزعجهم، ويضعهم في خيار المسؤولية والاختيار الصعب، فكان ضرورياً ان يهاجموا جسد الحسين ، ويدكُّوا بفرسانهم جسده، انتقاماً من صلابته التي تعتبر انتصاراً على مستوياتهم النفسية. لقد كانوا يرون في تحرر الحسين ، قبح وجوههم وودناءتها، وخسة نفوسهم وانحطاطها، فلذلك ازداد انتقامهم وتضاعف.

لقد كان ”جون“ ذلك العبد الذي تنفس حريته، ووجد في معسكر الإمام الحسين ميداناً واسعاً للتعبير عن تحرره المكبوت خلال سنينٍ مديده.

كما لايخفى، الحر بن يزيد الرّياحي، ذلك الإنسان الذي انطلق معرباً عن ورعه وإخلاصه في قضية الحسين ، وهو يقول:

إني أنا الحرُ ومأوى الضيف

أضربُ في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بأرض الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

فتلك خير شهادةٍ على أن يوم عاشوراء كان ميداناً للجَبرِ والإختيار..

في عاشوراء، كان الفردُ مخيّراً أن يكون شيطاناً، أو ملَكَاً، إنساناً، أو حيواناً..

يوم عاشوراء، كان ميدان الفوز والخسران..

في عاشوراء، نادى الإمام الحسين بالحرية، وأتمّ الحُجّة على من كانت حجّتهم الجهل بالحقيقة..

لكن عبيد الدنيا قد صَمُّوا أذانهم كي لايسمعوا صوت الحقيقة، فكانت عاقبتهم جهنم وبئس المصير.