آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

العم منصور نجارًا

جمال الناصر

همسة: إن أردت النجاح، لتكن في طريق عشقك، لا في طريق عشق الآخرين، لتكتشف في النهاية، بأنك في الاتجاه الخطأ بلا بوصلة.

العم منصور نجارًا، لم يكن العم منصور نجارًًا، ولم تكن لديه أي معلومات وحرفية في النجارة من قبل، ليكون بين برهة وضحاها نجارًا، يشهد أهل الحي بأجمعهم بدقة أعماله وما يصنعه في منجرته، المترهلة الزوايا. ”العم منصور“، يطلق عليه بعض شبان القرية ”الرجل المتعدد المواهب“، قديمًا ثقافة التخصص، كانت موجودة بملئ مصراعيها، حيث أن المزارع، تراه مزارعًا لا يمارس مهنة النجارة وصيد الأسماك وبناء بيوت الشعر ورعي الأغنام، في آن معًا، إلا أن العم منصور نوعية فريدة - ربما -، بسبب التطور والحداثة، التي أفرزت لنا هذا العم ”منصور“.

عاش منصور طفولته بين بساتين والده ”ميمون“ ووالدته ”ميسون“، ترعرعت أيامه والخضرة، تحتويه من كل اتجاه، لم يتعلق بها، كان يهندس ما يبصره من بقايا الأشجار في عينيه، لتسترجعها الذاكرة ذات يوم، لتصبح حقيقة. كبر ”منصور“، أصبحت سنينه، تختزل العشرة أعوامًا، أخذه والده إلى رفيقة ”ممدوح“، صاحب محل الخياطة الوحيد في الحي، ليعلمه مهنة الخياطة، جلس ”منصور“، بين يدي معلمه وعيناه سارحتان في النجارة، يتخيل القماش خشبًا، والمقص منشارًا، والإبرة مسمارًا، وحين غفلته لا يفيق إلا على صراخ ”ممدوح“، في وجهه، واصفًا إياه ”أنت ولد فاشل“.

لم يكن العم منصور فاشلاً، إذا ما أجرينا عليه فحصًا، لنستنتج من خلاله كونه فاشلاً أم ناجحًا. يقال: الرجل المناسب في المكان المناسب، في هذه المقولة، حين نطبقها على - العم منصور -، نجد بأنه لا يرغب في الخياطة وليس لديه ميولاً لها، ليس ثمة عشق بينهما، لتجيء بعكس الاتجاه، لرغباته وميولاته. مع مرور الأيام، تعرف - العم منصور -، على نجار في الحي المجاور لهم، أخذه عشق مهنة النجارة، لأن يكون علاقة وثيقة معه، اكتشف ”معروف“، الصديق الجديد، أن - منصور -، مولع حد الولع وأكثر بالنجارة، احتضنه، زرع فيه أبجديات النجارة، أتقنها - منصور -، أصبح له صيتًا في كل الأحياء المجاورة، افتتح منجرته الخاصة في حيهم، الزبائن تتوافد عليه بكثرة، تكلل بالسعادة والفرح، لإتقانه موهبته.

تزوج - منصور -، من ابنة عمه ”مريوم“، كانت - مريوم -، فائقة الجمال، لديها وجنتان حمراوتان، تتراقص بساحها قطرات الندى، عيناها واسعتان، يسكن في مسافاتها، الضوء وكل العشق، عشقها - منصور -، عشقًا، يتغنى به، كتغني الأطفال بلون قوس قزح، بعد غيمات مطر صافية اللقاء. لم يعلم - منصور -، بأن موهبته وعشقه للنجارة، ستذروه الرياح العاصفة، كان موقعه الإعرابي، في أنه هل، يحافظ على نجارته أو يحافظ على معشوقته - مريوم -، حين طلبت منه أن يترك صنعته، لخجلها من رفيقاتها.

إن العم منصور، جعلته الأيام في وضع لا يحسد عليه، ترك النجارة، كأنما أمله، يغادره بقوة، الفراق الألم، جعلته - مريوم -، يعمل مع والدها سعدون في تجارته، مرت السنون والعم منصور، يقاسي وضعه، الذي فرض عليه عنوة، لم يحتمل ذلك، مارس الكثير من الأعمال، ليؤمن قوت يومه، إلا أنه في نهاية المطاف، فقد زوجته، لأنها السبب في ابتعاده عن النجارة، ولم يستطع العودة لمنجرته، والبدء مجددًا.

هكذا كان - العم منصور نجارًا، وهكذا ابتعد عن منجرته. سأله حين وقت رفيقه - معروف -، عن سبب شروده المتكرر، أجابه - منصور -: يا صديقي، كيف يبدع الإنسان ويتألق، وهو لا يمارس ما يعشق، كيف له أن ينجح، وتجبره الظروف، أن لا يتغنى على ليلاه، لتكون له ليلاه، التي لا يعشق.