آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الواقع «1»

محمد العلي * صحيفة اليوم

حين تمر بي كلمة «الواقع»، استنفر كل طاقتي لوعي مفهومها والدخول في غاباته أو صحاريه، وفي لحظة سريالية عرفته تعريفا شعريا كما يلي: «الواقع هو كل ما يؤثر في الإنسان جسدا وروحا وفكرا ووجدانا» وحيث إنه تعريف ذو لغة صوفية ذات الطبقات من الظاهر والباطن.. أو ما يعنيه أبونواس بقوله:

ما بين عيني وعينها لغة

مخالف نمطها لمعناها

كان علي أن أبحث عن تعريف للواقع في القواميس والموسوعات والفلسفات.. فانداحت أمامي التعريفات تتقافز كأرانت نزار قباني، وبعد شوط «بطيء الكواكب» عثرت على سرب منها وكان من أجملها تعريف الدكتور عادل العلي الذي يقول:

«الواقع قسمان: موضوعي ندركه بحواسنا، وهو مستقل عنها.. وآخر ذاتي يخص الفرد والمجتمع والمنظمات، والوعي الناتج عن معطيات التجربة البشرية، والتطور من المكونات الأساسية للواقع، وهذا يعني: أن لكل مقطع زمني واقعه الخاص به، لذا يختلف واقع كل مجتمع عن الآخر بمقدار تطوره»، وإذن فتعريف الواقع هو «في هذه المرحلة ودياكلتيكيا الواقع هو التطور الطبيعي والاجتماعي المستمر بمسار متموج صعودا وهبوطا ذو محصلة تصاعدية».

«وبعد أن شربت كأسا دهاقا من تعريف عادل وتعريفات قليلة أخرى.. تذكرت من قال: «هناك صدمة أعمق من صدمة الحداثة هي اكتشاف الواقع».

نعم، اكتشاف الواقع هو «كما أرى» أهم من عشرات المفاهيم الأخرى التي اقتبسناها من الثقافة الغربية، فقد كان الواقع في ثقافتنا يعني وقوع شيء على شيء، أي سقوطه عليه مثل وقع الطائر على الشجرة، واذا به، بعد ان فتحنا عيوننا، إذا به يعني: ما عليه الذات وما عليه المجتمع من الطبيعة ومن البعد الاجتماعي التفاعلي بين أفراده.. وإذا به كذلك بناء تحتيا وبناء فوقيا.. إلى كل التفاصيل التي تتشكل منها الغابات الاجتماعية.

ولكن السؤال هو: من هو الذي يعي واقعه سواء من الأفراد أو الجماعات؟ إنهم قليلون وفي المجتمعات المتخلفة يرجون بالهرطقة أو الشذوذ عن سلوك «الجماعة» ذلك لأن التخلف يدافع عن نفسه بمثل هذه الأسلحة التي تشهر للتضليل، ولا تزال تفعل في النفوس ما يفعل السراب في عيني الظمآن في الصحراء.

الفلاسفة والمعلمون وبعض الشعراء هم المستهدفون بهذه الأسلحة اللغوية المرهفة، والتاريخ بطوله وعرضه يحدثنا عن الصعاب التي أوقعت على هؤلاء.. أو أنهم هم قد أوقفوا أنفسهم فيها رغبة في نثل مجتمعاتهم من درجة إلى أخرى في سلم الحضارة.

كاتب وأديب