آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الطريق إلى السينما: 90 يوماً

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

في فيلمه التسجيلي «سينما 500 كلم»، اختار المخرج السعودي عبد الله آل عيّاف، ملصقا معبرا عن قضية السينما في السعودية، يحتوي الملصق على صورة رجل سعودي يحمل جواز سفره الأخضر ويسير ماشيا في طريق بري وأمامه لوحة إرشادية تدله إلى أن السينما تقع على بعد 500 كيلومتر من مكانه في إشارة إلى مسافة الرحلة المضنية، يروي الفيلم سيرة أربعة من الشباب يركبون السيارة ليقطعوا 500 كيلومتر، للوصول لأقرب بلد مجاور يمتلك صالات عرض سينمائية.

على مدى سنوات ابتكر الشباب السعوديون طرقاً «التفافية» للوصول إلى الهدف، فما دام الطريق إلى السينما لم يكن معبداً، فلا يمنع من «تهريب» السينما، كأي منتجات ثقافية يجري تهريبها.

نظرياً لا يخلو بيت في السعودية من «سينما»، محطات الأفلام ورثت صناعة أفلام الفيديو التي كانت رائجة في الماضي، والجمهور السعودي زبون دائم لشبكات الأفلام السينمائية المنزلية، وهو زائر دائم لصالات العرض في الخارج، ومن حيث الصناعة فقد أصبح في السعودية مهرجان للأفلام السينمائية، ومهرجان للعروض المرئية، وأفلام حصدت جوائز عالمية، وذلك يثبت أن التجربة السينمائية السعودية تنضج كل يوم، وهي تمتلك رؤية فنية وذائقة جمالية وحسا عاليا بالإنسان، ولديها معنى فلسفي. تنضج بأدواتها الفنية، كما تنضج بالوعي العميق الذي يمتلكه روادها.

السينما منتج شعبي يعبر عن هوية وثقافة وحضارة الشعوب، ويعبر عن انتمائها للعالم وللجمال، وبالنسبة للسعوديين أصبحت الأفلام، تعبّر عن إحساس الشباب بذواتهم، وقدرتهم على صنع خياراتهم الحرّة، وتطلعاتهم للتفكير خارج النسق، يعبرون عن إحساسهم الوطني تارة، وشعورهم الإنساني تارة أخرى، ونجحوا في خلق فضاءات جديدة تمزج بين الرؤية البصرية وقوة الإنتاج وجودة المحتوى.

قرار وزارة الثقافة والإعلام السماح بقيام سينما في السعودية، قرار مهم، ويؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وفي المستوى الثقافي غير الرسمي هناك أعمدة قامت عليها صناعة السينما، واحد من هؤلاء هو الشاعر أحمد المُلا رئيس مهرجان أفلام السعودية السينمائي، بالأمس وبعد قرار السماح بإنشاء صالات عرض سينمائية تحدثت معه، وجدته مهموما بقضية أخرى.

بالنسبة لأحمد المُلا وزملائه فإننا تجاوزنا عملياً مرحلة السماح بوجود صالات عرض لكن الخطوة الأهم هي ضخ استثمارات في هذه الصناعة الواعدة، كمؤسسات ومدن إنتاج، لا أن يتحول الجمهور السعودي لمستهلك لمنتجات السينما الأجنبية.

يقول المُلا: «هذه الخطوة من شأنها تحفيز النمو والتنوع الاقتصادي عبر تطوير الاقتصاد الثقافي».

يضيف: «لن تتحقق اقتصاديات السينما كاملة من غير الاستثمار في صناعة السينما السعودية عبر دعم وتشجيع أدوات الإنتاج السينمائي... أما افتتاح صالات السينما فقط فهي تشكل اقتصاد الاستهلاك... وليس الإنتاج أي أن العائد الاقتصادي الأكبر سيكون للشركة المنتجة».

يكمل أحمد الملا: «إذا لم يكن هناك توجه حكومي بنشوء قطاع الإنتاج لن تقوم له قائمة» لأن مبادرات القطاع الخاص ما زالت مترددة ولا تتسم بالجسارة... كذلك فإن «سلطة شركات التوزيع الكبرى قوية، ومن الضروري إيجاد كيانات إنتاجية مقاومة لها».

خطوة وزارة الثقافة السعودية تكمل منظومة واعدة من الإجراءات التي تستهدف تحديث المجتمع ومنحه خيارات متنوعة تفك من سطوة وأحادية التيارات المغلقة والمتشددة وتمنحه فرصة للاختيار ومحطة يتجه منها نحو المستقبل.