آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الهويات ومركزية الإنسان

محمد الحرز * صحيفة اليوم

لماذا الهويات قاتلة كما يعبر عنها الروائي أمين معلوف؟ وهل الهويات قاتلة بالمعنى الحقيقي أم بالمعنى المجازي؟ وما معنى أن تكون للإنسان هوية ما؟ وهل هي ثابتة أم متغيرة؟ كل هذه الأسئلة ليست سوى الجزء السهل من الأجزاء الأكثر صعوبة والأكثر عمقا تلك التي ارتبطت في حقول علم الاجتماع وعلم النفس بالأسئلة المختصة بموضوعة الهويات.

عموما، أريد هنا التركيز على هذا الهاجس بالهويات. ما هو مصدره أو تبريره كي يأخذ هذا الحيز من الاهتمام سواء على مستوى البحوث أو الدراسات الفكرية أو السياسية والاجتماعية؟

الكل يعلم ما جرى في القرن العشرين تحديدا من صراعات أدت في أغلب الأحيان إلى حروب عالمية، كان تأثيرها على البشر أكثر وقعا وأشد وطأة من مثيلاتها من الحروب التي جرت في الماضي. والسبب يعود إلى أن تلك الحروب واكبت نزعة التطور والتقدم التي سرت في جميع ميادين الحياة، وكانت الوجه المشرق للحضارة الغربية بينما وجهها الآخر هو الدمار الشامل الذي خلفته هذه الحروب بفعل التطور التقني والتكنولوجي لتلك النزعة. فذات السبب للإشراق هو ذات السبب الذي أدى إلى الدمار. هذه المفارقة هي الرافعة التي شكلت لاحقا مصدر الهاجس أو التبرير. فمنذ القرن السابع إلى القرن العشرين الميلادي فإن أوروبا عانت ويلات الحروب بمختلف مظاهرها الدينية والسياسية والاجتماعية حيث لم يكن مفكروها ولا مبدعوها بعيدين في تفكيرهم وإبداعهم عن التأثير المباشر أو غير المباشر الذي خلفته سردية تلك الحروب وصورها المرعبة. لذلك كان سؤال الإنسان هو في القلب من الاهتمام الذي سطره هؤلاء، وكان سؤال الهوية هو في الصدارة منه.

من هنا ندرك مركز الاهتمام الذي حظي به مفهوم الإنسان في الفكر الغربي وحضارته حتى أصبحت قداسته. لكن كان الإنسان المعني هنا هو الإنسان الغربي تحديدا «ذو البشرة البيضاء» عدا ذلك فإنه لا يدخل ضمن هذا الاهتمام أو التنظير. وهذه إحدى الأزمات التي ما زالت تعيشها الحضارة الغربية. لا شك أن صعود الإنسان في الحضارة الغربية واكبه صعود موضوعة الهوية، وكان الهدف من هذا الصعود سياسيا بالدرجة الأولى، إذ كانت الدولة القومية في بداية تشكلها تبحث عن مشروعية وجودها، حيث تكونت ضمن إطار هذه المشروعية الهويات القومية، ومن ثم جرى لاحقا الإقرار في العلوم الاجتماعية بالبحث عن الهوية الاجتماعية وأبرز خصائصها أو سماتها بينما جرى في علم النفس ربطها بالأنا العليا أو تمظهرات الذات وتشكلها عند الفرد. والخلاصة التي أود استنتاجها هنا أنه كلما كان الواقع أشد فتكا بالإنسان بحث له عن اطمئنان نفسي يجعله قادرا على تحمل هذا الواقع، فمن الذي يستطيع أن يتحمل واقع الحروب إذا لم يعط للإنسان قيمة حتى لو كانت على المستوى النظري؟!