آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

دِثار جورباتشوف

في ليلةٍ من ليالي خريف 1989م رأيتُ في المنام أنني أملك مليون ريال. استغربت ذلك المنام لأنني حديث عهدٍ بالعمل وقتها ولم أكن أملك إلا خمسينَ ألف ريال ادخرتها بصعوبة. على كلِّ حال حسبتها أضغاث أحلام حتى حصل التالي:

وصلت إلى العمل باكراً تفادياً للزحام والتزاماً بتقاليد العمل وإذ بي أرى أحد الزملاء قد سبقني إلى العمل بخلاف العادة. بادرتهُ التحية وبكل عفوية سألته ”كيف حال سوق الأسهم؟“ كنت أعرفه متمرساً في بيع وشراء الأسهم وقتها. لم ينبس ببتِ شفة بل رفع يده إلى فمه وقبلها إشارةً إلى القبول والرضا. قلتُ له هل تنصحني بالدخول؟ أجابني نعم ولمَ لا؟ لم يكن وقتها التداول عن طريق الموقع الإلكتروني بل كان يتطلب الحضور إلى أحد المصارف ومشاهدة لوحة الأسعار وملأ طلب بيع أو شراء عبر وسيط المصرف المتواجد. كانت صالاتُ المصارف تزدحم بالناس ولم أرغب في التواجد في مثل هذا الزحام. كانت أمي رحمها الله تحثني على عدم الذهاب إلى المقاهي أو التدخين وهما وللأسف الشيئين الوحيدين الذين أطعتها فيهما.

قال ”لا عليك، أنا أعرف مدير المصرف وساقوم مقامك في البيع والشراء. ما عليك سوى وضع المبلغ في البنك العربي“. أزاح ذلك عن كاهلي ثقلاَ كبيراً ولم أكد أحتمل الإنتظار حتى نهاية الدوام للذهاب الى المصرف المطلوب وتغيير الحساب. تمكنت من إيداع الخمسين ألف وهاتفته حوالي السادسة مساءً بأن المبلغ متوفر. قال قد ضاعت فرصةٌ جيدة قبل قليل وعليَّ أن لا أهتم لأنه سيقوم بالشراء والبيع في اليوم التالي.

اشترى لي في أحد الشركات في اليوم التالي ولم يكن وقتها معلومات أسعار الأسهم متوفرة عن طريق الحاسب الآلي ولكن تصل نسخة مصورة للأصدقاء وينسخها البقية. ارتفع سهم الشركة التي إشترى لي فيها بما يعادل الريال وباعه في المساء. حدثتني نفسي إذا كان الربح حوالي العشرة في المئة في أقل من إسبوع يعني ذلك أنني سأربح أكثر من أربعين في المئة في الشهر. إذاً ليس المليون ببعيد وهذا هو تفسيرُ رؤيايَ، قد جعلها ربي حقا!

أخبرني صباح يوم الخميس بأنه إشترى في شركةٍ لم أعرف عنها الكثير ولكن خالطني إحساسٌ بأنها لن تكون مربحة. أنتظرت يوم السبت التالي عندما رايت قائمة الأسعار تهبط ومعها تلك الشركة. إتصلت به فقال لا تهتم فكل شيء على ما يرام. بدأت الأمور تزداد سواً فعاودت الاتصال به حيث تلاشت تقريباً جميع الأرباح. بدأ يلومني على عدم الصبر وقال ”المبلغ لا يتجاوز الخمسين ألف وأنت تصدر كل هذا الضجيج؟“ قلت له هذا كل ما أملك!

بدأت في الخسارة فقال لي ”لا تقلق“. لقد شاهدت البارحة الأخبار ورأيت جورباتشوف مرتدياً سترةً شتوية. قلت له ضاحكاً وباكياً في نفس الوقت وما دخل سترة جورباتشوف اللعينة بخسارتي! قال ”جورباتشوف مرتدياً سترةً شتوية يعني أن الجو بدأ يصير بارداً“. ثم ماذا؟ كدت أن أصيح في وجهه. قال يعني أن الطلب على النفط سيزداد فهمت؟ قلت لا ولكن أكمل. قال وأنت ماذا تبيع؟ قلت النفط الذي سيزداد الطلب عليه. قال إنَّ هذا يعني أن شركاتِ ألأسهم سوف تزداد أرباحها وترتفع قيمة أسهمها ولن تخسر.

لم أكلمه بعدها لسخافةِ رده وتوجهت إلى المصرف وبعت ألأسهم بما يقل بحوالي عشرة آلاف ريال أي بما يعادل المليون هللة. لقيته بعد أن رجع من عمله فسألني ماذا فعلت؟ قلت له بعت ألأسهم بخسارة. قال لو كنت مكانك لبعتها قبل أن تهبط كل هذا الهبوط. بعدها لم أشتري أي سهمٍ في أي شركة غير الإصدارات.

ربما وقاني الله خسارةَ المليون ريال بخسارة المليون هللة وهذا ما رأيت!

مستشار أعلى هندسة بترول