آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

البحث الأبدي في العقيم

محمد العلي * صحيفة اليوم

«تعا تا نتخبى من درب الأعمار

وإذا هني كبروا نحنا بقينا صغار

وسألونا وين كنتوا ليش ما كبرتوا انتو

بنقلن انسينا

واللي نادى الناس تيكبروا الناس

راح ونسي ينادينا»

هل ابيضت عيناك من الحزن، وأنت تصغي بقلبك إلى فيروز، وهي تشدو بهذه الأغنية، بلغة طفلية نشوى، بلغت الأحلام لحيها.. مرفأها المنتظر مثل غودو.

لم يكن في الفضاء الفني مترامي الأبعاد لفيروز أي ظل لعبث البحث عن الخلود، ذلك الأبدي العقيم، ولا أي طيف لخواء الوجود «وسيزيفيته» الذي تجده في مسرحية «في انتظار جود» أن فيها الأمل الطفولي، كما كان يطيف في عيني جلجامش والذي نلمس فجيعة انطفائه في أول ملحمة عرفها التاريخ حتى الآن «26 قرنًا قبل الميلاد».. فيروز لم تكن وجودية، وأظنها بعيدة عن قراءة مسرحية صموئيل بيكيت.. إنها تعبّر عن «لحظة» بحجم الأبد... وهي الاختفاء عن ذلك الوجه البشع، وعبثه بالوجوه، والمصائر، الذي ينادي الناس بأن يكبروا، وهو «الزمن» الذي جاء الإنسان فأضاف إلى بشاعته بشاعات أخرى:

«كلما أنبت الزمان قناة

ركب المرء في القناة سنانا»

قد نظن أن جلجامش أول مَن عصفت به الرغبة في البحث عن الخلود.. كلا.. إن كل كائن حي، في كل زمان ومكان، يبحث عن الخلود، أنت وأنا وهي وهو و.. و.. على امتداد النوع.. نبحث عن الخلود: الفكر، العلم، الفلسفة، الأماني، وكل اختلاجات الإنسان الداخلية المبهمة، إنما هي بحث عن الخلود الدائم أو على الاقل، الخلود المؤقت.

والخلود المؤقت الذي أعنيه كما أتصور، هو تحقيق الفرد لذاته لا بالمعنى الوجودي، بل بذلك المعنى البسيط وهو الفرح بالنجاح في مجال ما من مجالات النشاط البشري والإبحار في زورق الحرية.

لقد قضى العلم على الأسطورة، وبهذا أجهز على البحث عن الخلود الدائم.. وحتى الخلود المؤقت وهو تحقيق الذات والإبحار في زورق الحرية.. يقف الآن أمام أبواب كثيرة وهو يرتعد خوفًا من مجيء ذلك المؤقت الذي لا يرى فيه بابًا يمكن أن يدخله.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
هلال الوحيد
[ القطيف ]: 27 / 1 / 2018م - 12:16 م
احسنت أستاذ محمد
جميل جدا.
إلهي أَعبثاً نموتُ وتبقى النجومْ!
يحارُ عقلي وقلبيَ حتى الوجومْ
إلهي نموتُ ويبقى الفراغُ السقيمْ؟
يضيع جوابي وتملأُ رُوحي الهمومْ
إلهيْ كلما تفكرتُ في صُغرِ نفسي
تعاظمتَ مَنْ بعدِ كُلِّ شيءٍ تدومْ
كاتب وأديب