آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

أين أخطأ السحيمي؟

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

هل ثمة من يجادل اليوم في أن السعودية تشهد حركة تغيير دؤوبة وفاعلة ومدروسة وتسير بعزم نحو الأمام...؟ حسناً، أغلب الناس خصوصاً الشباب يرمقون هذا التغيير ويتطلعون إلى أن يكونوا جزءاً منه. المثقفون يهمهم أن يكون شاملاً وواسعاً، والشباب يريدون أن يرفعوا به رصيد الأمل والتفاؤل والثقة بالمستقبل.

لكن، لماذا يصرّ بعض المؤيدين لهذا التحول على قطف الثمرة قبل نضوجها...؟ الحماس المنفلت قد يصبح وبالاً على أي مشروع ناجح... وقديماً قيل: «إظهار الشيء قبل استحكامه مفسدة له». ولا توجد مفسدة أسوأ من «تهييج» الجماهير واستعداء أي طرفٍ ليبدو في خانة المتضررين من الإصلاح.

صديقنا الكاتب محمد السحيمي، عُرف بتلقائيته وصراحته، لكنه قال في ظهور تلفزيوني كلاماً أصاب عامة الناس بالصدمة. اعتبروا أن ثمة مَن يريد أن يستهدف المساجد وشعيرة الأذان، وهو ما لم يقصده السحيمي... لكن الضرر وقع، والمتحدث حاله كحال العشرات من المثقفين الذين ينظرون إلى جمع الغنائم، عوضاً عن تعزيز مسيرة الإصلاح ودعمها بالصبر والمثابرة.

دعم الإصلاح ليس بتكميم الأفواه، ولا بإشاعة الخوف، ولا بالمبالغة في التردد، والحسابات المفرطة، وتضييع الفرص، هذا صحيح، ولكنه أيضاً لا يأتي بتضييع الجهود في معارك جانبية تستنزف الطاقات. ولا ب «تهييج» الرأي العام حتى ينقضّ على هذا المشروع الواعد والطموح.

هل نحنُ نعاني من «جهل النخبة»؟ الجهل الناجم عن عدم المعرفة الصحيحة بالزمان والمكان والظرف والإنسان وآليات التحول...؟ الجهل الناجم عن التعجل في قطف ثمار التغيير قبل نضوجها...؟ الجهل الذي يقود صاحبه إلى افتعال معارك غير ضرورية، أو خوض صراعات تستنزف طاقات المجتمع، أو دفع الآخرين إلى التحشد من أجل تعطيل أو إعاقة التحول...

ثمة جهل من طراز مختلف، يصيب النخبة، وهو إصرارها على «احتكار» الفضاء العام والاستفراد بساحته، فضلاً عن التعصب الأعمى تجاه المنافسين والمناوئين والخصوم.

جهل آخر يرتبط بفهم طبيعة الإصلاح، النقيض التام لمفهوم الثورة... الثورة حركة تمرد قوامها الجماهير، وفلسفتها التغيير الجذري والشامل، والإصلاح خلاف ذلك تماماً، فهو عمل نخبوي قوامه أهل الفكر والثقافة والتنوير، وفلسفته تقديم الحلول للمعضلات القائمة، وفتح آفاق جديدة نحو المستقبل. الثورة هدم، والإصلاح بناء.

والإصلاح يستهدف التغيير التدريجي القائم على استقرار النظام والمؤسسات، خلافاً للتغيير الثوري «الجذري» القائم على هدم أسس النظام واستبداله، والدخول في المجهول.

ما نحتاج إليه وما يناسبنا وما نريده هو الإصلاح، وهو ما نلمسه فعلياً؛ الإصلاح الذي نطمح أن يسعى لخلق فضاءات حرة للإبداع والتعبير وبناء المواطنة القائمة على الشراكة والمسؤولية والمساواة. الإصلاح الذي يوسّع مشاركة الناس في بناء بلادهم، والذود عن حياضها... قاطرة التحول التدريجي تحركت، ورغم بطئها، فهي تسير وتنتج وتزرع الأمل وتشيع التفاؤل، ومعها يرتفع طموح الناس... ولا يجوز للمتعجلين أن يفسدوا حركتها.