آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

المعالجة الجذرية للخلل في العلاقات العربية

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

تشكل النظام العربي الرسمي المعاصر، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي ظل تصاعد المطالبة الشعبية العربية بقيام نوع من الاتحاد بين الأقطار العربية، وذلك لتعضيد التطلعات القومية والعمل على تحقيق استقلال البلدان التي ما زالت تعيش تحت وطأة الاحتلال الأجنبي.

جرت اتصالات ومشاورات بين القيادات العربية، وتم اقتراح تشكيل تكتل عربي، يمثل الحكومات العربية المستقلة، انتهى بعد مداولات ومشاورات ومباحثات بقيام جامعة الدول العربية.

ونص بروتوكول الإسكندرية الذي صدر في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 1945، على إنشاء جامعة للدول العربية، تعتمد قراراتها على قاعدة الإجماع في التصويت، وفي حالة تعذر ذلك، تكون تلك القرارات ملزمة لمن يقبلها. كما نص البروتوكول على عدم جواز اللجوء للقوة لفض المنازعات التي تنشأ بين عضوين أو أكثر من أعضاء الجامعة، وأعطى المجلس الحق، لأعضاء الجامعة وأمانتها العامة، في التوسط في أي خلاف أو حرب تقع بين الدول الأعضاء، وقد انضمت لاحقاً إلى الجامعة بقية الأقطار العربية الأخرى، بعد أن تمكنت من إنجاز استقلالها السياسي.

اللافت للنظر، أن أعرافاً غير مكتوبة سادت العلاقات العربية، ومن ضمنها أعراف تخص هيكلية وطريقة عمل جامعة الدول العربية.

فمع أنه لا يوجد نص رسمي في الميثاق أو اللوائح التابعة للجامعة، يشير إلى أن أمينها العام ينبغي أن يكون مصرياً، لكن مصر ظلت على الدوام تحتفظ بمنصب الأمين العام لها، منذ العهد الملكي حتى يومنا هذا.

الفترة الوحيدة التي جرى فيها تعيين أمين عام من خارج مصر، كانت خلال فترة القطيعة العربية مع نظام الرئيس أنور السادات، إثر توقيعه معاهدة كامب ديفيد مع «إسرائيل»، حيث عُيّن للأمانة العامة السيد الشاذلي القليبي، من القطر التونسي، الذي أصبحت بلاده مقراً مؤقتاً للجامعة.

العرف الآخر الذي جرى الأخذ به، هو الإقرار بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة كل قطر من قبل الأقطار العربية الأخرى، لكن كانت هناك استثناءات وخروق، سواء لما جرى الاتفاق عليه بموجب الميثاق، أو لما تم التوافق عليه عرفياً.

لقد كانت الجامعة في حقيقتها انعكاساً موضوعياً وحقيقياً لواقع النظام العربي الرسمي، وطبيعة العلاقات بين الأقطار العربية، وكانت الخلافات بين قطرين رئيسيين من الأقطار العربية كافية لأن تشل عمل الجامعة وتعطل حركتها.

وللأسف فإن الخروق والأزمات كثيرة. كانت الأحلاف والعلاقات الحميمة موسمية، سرعان ما تنهار إثر تعرضها للرياح. وكانت الأحداث تأخذ مكانها بسرعة مذهلة. ومع كل حدث، كان هناك موقف عربي رسمي وشعبي مؤيد أو مناوئ، وكان الحدث الواحد بمفرده يشكل محطة رئيسية في صياغة العلاقات السياسية والاقتصادية بين هذا النظام أو ذاك، والمحطات كثيرة!

وفي ظل غياب آلية عملية تحكم الخلافات العربية العربية، كان المشروع «الإسرائيلي» يتقدم، ويستكمل بنيانه بالتمدد والتوسع السكاني والمكاني. ولم تستطع الهياكل والمؤسسات العربية التي أنشئت في نهاية النصف الأول من القرن الماضي، أن تتقدم خطوة واحدة على طريق تحقيق الأماني والآمال المشروعة للشعب العربي.

إن ما جرى للشعب الفلسطيني من تشريد وضياع للأرض، وعجز عن استعادة الحقوق، هو تجسيد حقيقي لوهن النظام العربي الرسمي وعدم قدرته على صياغة استراتيجية فاعلة للتصدي للمشروع «الإسرائيلي».

وهو عجز اتضحت معالمه منذ صدر وعد بلفور المشؤوم، واستمر في محطات عديدة، في النكبة والنكسة والهزيمة، التي عبّرت جميعها عن خلل جسيم في علاقات العرب مع بعضهم بعضاً.

وهذا الخلل هو في حقيقته تعبير عن خلل آخر.. خلل في المعادلات والعلاقات والهياكل والبنيان الداخلي للأقطار العربية، كما أن التفاوت الزمني في الحصول على الاستقلال ترك آثاره السلبية على التضامن والتنسيق والتكامل بين الأقطار العربية، فقد جرى تشكيل مؤسسات وهياكل الدولة في الأقطار التي أنجزت استقلالها على أسس محلية، دون تصور استراتيجي بعيد المدى، يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ارتباط هذه البلدان بوطن أكبر هو الأمة العربية.

وقد لعبت التركيبة البطركية في البلدان العربية، دوراً أساسياً في تغييب أية إمكانية لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي، حتى بين تلك الأقطار التي استقلت مبكراً. كانت حكومات تلك الأقطار، لأسباب خاصة بها، تنظر إلى ذاتها على أنها الطليعة في قيادة النظام العربي الرسمي، بينما هي في حقيقتها، تفتقر مادياً وموضوعياً لمؤهلات القيادة.

وهكذا، وفي ظل تعدد المراكز، تحقق غياب حقيقي لمركز قيادي فاعل، وأصبح النظام العربي تائهاً في لجة الأحداث التي تسارعت في المنطقة بخطى حثيثة، وجعلت من المستعصي على الأنظمة العربية أن تصيغ أي برنامج متماسك ينظم العلاقات فيما بينها.

وحين تحقق الاستقلال لمعظم الأقطار العربية، تكشفت حقائق أخرى مريعة، فالحدود السياسية التي رسمها الاستعمار قبل رحيله، فيما بين هذه الأقطار، كانت بمثابة القنابل الموقوتة.. إنها حدود لم تضع في الحسبان مصالح أو خيارات شعوب المنطقة.