آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

يومُ الزينة

المهندس هلال حسن الوحيد *

يبث هدهدُ القلمِ الأنباءَ السارةَ سريعاً متى ما سره زمنٌ ويتثاقل ذئبُ المداد ويعاني من حَمْلِ أخبارِ الألم حين تسوءه أزمانٌ. كثر الذئابُ في عالمنا حتى إذا ما جاء هدهدٌ قال له الناس أتذكر متى آخرَ مرةٍ زرتنَا فيها؟ يقول بكل شفقةٍ نسيت!

لم تحدد الشرائعُ زمناً للسعادة ولكن حددت زمناً للحزن، العدةُ والعزاءُ في أقلها وفي غيرها ألزمت البشرَ بأيامٍ وأمرتهم أن يفرحوا فيها، قالت لهم أماكنَ لا حرب فيها وأشهرَ لا قتال فيها لتكبر جغرافيا وزمان الفرح. لم يخلق الله البشرَ ليكونوا تعساءَ ثم يذهبوا إلى الجنةِ أو النار بل أمرهم بالفرحِ والسعادة للروح والجسد.

تسعد الروح في طاعة الرب وتشقى في تمردها على أوامره. ويسعد الجسدُ في غنائمَ وزعها الربُّ بين مخلوقاته التي جمع منها البعضُ ما يظن أن يملأَ به جيوبَ الكفن وحَرَمَ منها غيره وأعطاهم بدلاً منها منادب ومناحات. أيام الفرحِ والحزن فيها أربعٌ وعشرونَ ساعةً لكن إحساسنا بسرعة الزمن أو بطئه منبعثٌ منا. تمشي أيام القلق والحزن بطيئةً كأنما تمشي على صدورنا العارية منتعلةً صفائح من حديد.  وتتهادى أيامُ الفرح سريعاً مثل حسناءَ إلى منصةِ عرسها.

نتحرر من شيطانِ التعاسة في شهرِ رمضان فتمضي الأيامُ أسرعَ مما نحب. أيامٌ تجتمع لنا فيها سعادةُ الروح والجسد وبعدها يقول لنا الربُّ إذهبوا إلى العيد، ابتهجوا وافرحوا. إذهبوا كلكم إلى قمةِ السعادة واحملوا معكم من لا يستطيع الصعود.  لكم بعد ثلاثينَ يوماً من فرحِ الروح أن تقولوا للجسدِ تَعَالَ أيها الجائع تعال ايها الساهر تعال ايها العطشان كل صفاتِ الضد لك إلا الخطايا.

اشتري زينةَ العيدِ قبل العيد. عد طفلاً بروحك في الحذاء حين تلبسه يوم كنت تفرح فيه وتقلبه في رجلك وتتفاخر به على أقرانك.  اجعل الزينة رمزاً للوصول إلى الموعد، كلما كان لك موعدٌ مع الفرح ثار جسمك في انتظاره. يومَ كنت في المدرسة تنتظر اليوم التالي وفي العمل مجابهة التحدي وفي الخطوبة حرارة الشوق، كلها كالعيد تعطيك أملاً في العيش والبقاء لذاك اليوم.

يوم العيد حزمةُ ضوءٍ تخترق العتمة وموجةٌ من الفرحِ تخلخل الجُزُرَ في محيطِ الحزنِ المالح بدموع الأسى، يأتي فلا بد أن نقول له تعال وأمسح مآسينا:

تعال ايها العيد ولملمْ الجراح

كن دليلي إلى فجر الصباح

ملأ العدى من دمي كُلَّ نخبٍ وراح

وعَضَّ في جسدي كل أنواع السلاح

كما وعدتَ ربنا خفف عنا أثقال أنفسنا وساعدنا أن نقبر الأحزانَ في العيد ”يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ? وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا“. أما أنا سوف أبقى بمشيئتك لأكتبَ عن يومِ عيدٍ آخر فيه أشعةُ الشمسِ تسطع على اوديتنا ونعود لنروي ونحكي حين دقت ساعة العيد لم أسأله:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عديدُ  
بما مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

بل تسألت:
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني
هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 22 / 5 / 2018م - 4:06 ص
( كثر الذئابُ في عالمنا حتى إذا ما جاء هدهدٌ قال له الناس أتذكر متى آخرَ مرةٍ زرتنَا فيها؟ يقول بكل شفقةٍ نسيت! ) كم كان وصف في عمق الواقع ، حقيقةً أطرقت باب عقلي لمَ لانفرح بقدوم الهدهد ونحفل بأخباره حتى إذا رأى منا هذه الجفوة غاب طويلاً ، هل هو هو الخوف من الفرح ، أم الخوف مما تُدثّرهُ الدنيا تحت لحاف الفرح .
(تسعد الروح في طاعة الرب وتشقى في تمردها على أوامره.) جملة يقف لها الضمير وودَّ الإنسان لو يدركُ السعادة الحقة حتى الأخير ولكن كلما أمسكها عاد وأفلتها .
أشكرك على جميل ماكتبت وجميل ماأقرأ .
مستشار أعلى هندسة بترول