آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

كبيرٌ يبكي

ظِلُّ الأم والاب يقينا حَرَّ وبردِ الدنيا بأسرها مهما وصل رقمُ أعمارنا ونحنُ تحت جناحيهمَا، لا خوفَ نجري ونلعب في الحياةِ نشبه الأطفال وإن غزا الشيبُ أفوادنَا. تُعَرِّينَا الحياةُ من الظِلِّ شيئاً فشيئاً، تأخذ هذا وتُمرضُ هذا. نكبر فجأةً ولو كنا قبل العاشرة، أنزاحَ الظِلُّ عن الشجرة الضعيفة وانكسرت في العاصفة! في غمرةِ الذكرياتِ يجري الدمعُ قُرمزياً ونقول اماهُ ليتني حضنتك، أبي ليتني امسكتُ بيديكْ ولم أغادر ابداً ولكن القَدَرَ صفعك على خديك. تنظرُ إليكَ ارواحهمْ من الأعالي ويأتي الجوابُ نحنُ من جنى لو حضناكَ حضنتنا ولو أمسكنا بيدكَ امسكتَ بأيدينا.

جاءت المدنيةُ بكلفة الحياة واضطر الأمُّ والأبُ أن يقتطعا من وقتِ الصغير، ليس وقتٌ للعب وليس وقتٌ للضمِّ والتقبيل وقراءةِ قصص الخيال بين النومِ واليقظة في ظلامِ الليل. عليهما أن يوفرا الواحاً يلعب بها وأكلاً يأكله وملابسَ يزهو بها. بين هذا وذاكَ تبقى العاطفةُ جوفاءَ فارغة.

يرتوي الصغارُ والكبارُ ويشبعون ولكن مهما كانت أعمارهم لا تَشبع عاطفتهمْ ولا يرتوونَ من خمرِ الحنان. يجدون سبباً في الكبر إن لم تعطيهم الأكلَ والشربَ ولا يجدون جواباً لماذا لم تحضنهم وتحميهم من عواصفِ وخشونةِ الجفاء. في الدار غُرَفٌ تنهدم إحداها او كُلُّهَا عندما يهجرها أهلها ويمكن إعمارها ولكن غُرَفَ القلبِ لا يستطيع صاحبه أن يعمرها بعد الهجرةِ والخراب.

تجري الأشياء من الأعلى للأسفل والعاطفةُ من الأصلِ للفرع لكن كل قاعدةٍ في الدنيا لها ما ينفيها. أترى لماذا يختزن الأصلُ حُبَّهُ وعاطفته أحياناً ويقطعها عن الفرعِ الذي يذبل ويموت! كل فرعٍ لا ذَنْبَ له في الحياةِ التي جاد بها عليه الرب عن طريق الأصل.

هناك في منحنى هندسة الحُبِّ والكره نقطةٌ كلما اقتربنا من أعلاها اضطرمت نارُ الوجدِ وكلما تسافلنَا دونها سكنت قلوبنا نارُ الكُرهِ وعند تلك النقطة تنطفئُ وتموتُ وتتساوى كُلُّ المشاعر. لا يجوز لنا أن نهبطَ دونها وعلينا العلو منها كيفما شئنا وشاء القلب. أعالي المنحنى حب الرب الذي لا يصل إليه إلا خُلَّصُ البشر ولا يشاركه فيه البشر.

أيها الفرع: في الصغر تلبس حذاءهمَا وتأكل من يديهمَا وتبكي عندما يخرجانِ دونك وعندما ترى آياتِ العمر وتنظر لا ظِلَّ فوق رأسك تحلم أن يعودا وتعودَ صغيراً في المشاعر. لن تعطيكَ نواميسُ الكونِ ما لم تعطه غيرك فلا تنتظر تلك اللحظة فهي تجري بين يديك كل حين.

أيها الأصل: كم كنت تنتظر أن يأتي امتدادُ أنانيتكَ على الأرضِ لتبقى بعد أن تُغلق عينيك. جاءتك هديةُ الرب فغذيتهمْ صغاراً وألبستهمْ ولكنك عريتهم من لباسِ العاطفةِ وقطعت وِدَّكَ عنهم!

تتصارع قوى الخيرِ والشر وعندما تتصارع بين الأقارب تكون أَشَدَّ ضراوةً وأكثرَ إيلاماً. لِكُلِّ نارٍ سبب ولِكُلِّ نارٍ وقود لكن بالتأكيد لِكُلِّ نارٍ ما يخمدها. لا تشعل في قلبك سوى نار الود والحب وأطفأ ما سواها. ممنوعٌ علينا أن نجعل هباتِ الرب ”أبنائنا“ بلايانا..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
26 / 6 / 2018م - 2:00 م
( أترى لماذا يختزن الأصلُ حُبَّهُ وعاطفته أحياناً ويقطعها عن الفرعِ الذي يذبل ويموت! ) السؤال الذي غار في الأعماق الجوفاء للوالدين والأبناء ، ثم يأتي الجفاء في الكبرمن حيث لا يُعرف الجواب إلا من رحِم ربي وأعطى من حيث مُنِع ، تبقى كفة العواطف ترجح عن كفة الماديات ، لاحرمنا الله وإياكم عن ذلك ، مقال مؤثر جداً .
مستشار أعلى هندسة بترول