آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

وهم السعادة في القروض الشخصية

عباس سالم

السعادة أمنية كل إنسان في هذه الحياة، فمن منا لا يحلم بأن يكون لديه بيت؟ ومن منا لا يحلم باقتناء سيارة فخمة؟ ومن منا لا يتمنى أن يسافر إلى هذه الدولة أو تلك؟ وغيرها من الأحلام.

إن كل هذا الحلم بات الآن حقيقة بمجرد دخولك إلى صالة البنك وسماع الكلام المعسول بالإغراءات من الموظف المسؤول عن القروض الشخصية، لكن تحقيق هذا الحلم سوف يصبح كابوساً ينغص حياة معظم الناس الذين يحلمون بالسعادة، وذلك بسبب القروض البنكية التي قد تبدو محفوفة بالزهور الفاتنة والمغريات الناصعة في مراحلها الأولى، لكنها ما أن توقع الشخص في شباكها حتى يدرك خطورة قراراته العشوائية.

إن معظم البنوك العاملة في واقعنا تتعامل مع الناس على أنهم فرائس منطلقة في الحياة، والبنك الرابح هو من يقتنص إلى مصيدته أكبر عدد ممكن من تلك الفرائس، في تنافس كبير بينهم على استدراج الأسماك البشرية إلى شباك القروض الشخصية، وعندما يرن هاتفك المتحرك وتعرف أنه مسؤول القروض الشخصية في البنك يسرد عليك سلسلة من الإغراءات ليمنحك قرضاً ميسراً يصل إلى 20 ضعف راتبك تنتشي معها وتشعر بالسعادة، لكنك سرعان ما تفيق من نشوتك، عندما يطالبك بأول أقساط البنك، وتتوالى اتصالات المطالبة والإنذار والتهديد، عندها تتحول حالة السعادة الغامرة إلى كابوس وقلق نفسي.

إن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تطال عدداً كبيراً من الناس بسبب القروض الشخصية، ونتيجة لضعف ثقافة الفرد اتجاهها وغياب التخطيط المالي، واقتراضه فوق حاجته ولأسباب قد تكون غير ضرورية، تجعلهم يتكبدون الديون والخسائر المادية على مدار سنوات طويلة.

إن أغلب الديون التي تثكل عبئ الكثير من الناس تكون بالعادة لأغراض كمالية، ناتجة للخداع النفسي والإغراءات من قبل البنوك بتقديم التسهيلات لمنح القروض، والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى صعوبات وقضايا ومنها إلى ملاحقات أمنية، وربما يصل الأمر إلى السجن جراء التعثر في سداد الديون المتراكمة على الشخص المدان.

إن الإغراءات والتسهيلات والكلام المعسول عبر الرسائل النصية التي ترسل من البنوك إلى عملائها يجعلنا نتساءل: هل المسؤولية تقع على البنوك وما تعرضه من تسهيلات؟ أم على الفرد وقلة وعيه بما يدور في هذا القرض؟ ومن هو المستفيد ومن هو المتضرر منه؟ وهل القرض حلٌ لأزمة ما؟ أم إنه همٌ دائمٌ يلاحق المقترض؟ إغراءات القروض غالباً ما تكون مصيدةً للناس، لذلك يجب عليهم أخد الحيطة والحذر وعدم الانجرار وراء تلك الإغراءات الخطيرة.

إن الجميع يتذكر سوق الأسهم والكارثة التي حلت على الكثير من الناس، بعد أن وقعوا في فخ الإغراءات والتسهيلات من البنك للحصول على قرض شخصي، ودخول عالم الأحلام التي لا تفارق خيال الفرد المقترض بأنه سوف يصبح رجل أعمال يمتلك حسابات في عدة بنوك، ومع غياب الوعي بين عشية وضحاها يصبح ذلك الفرد من رجل أعمال إلى رجل غارق في الديون والمطالبات البنكية ومنها إلى الهوس النفسي وأخيراً إما الجنون أو السجن وضياع الحياة.

خلاصة الكلام هو: أن نكون على قدر من الوعي والحكمة ومحاربة النفس أولاً والإغراءات البنكية ثانياً، وأن ندرك أن الحياة ليست مالاً فقط، وأنها من الممكن أن تكون جميلة بقليل من المال، وكثير من الرضا والقناعة.