آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

التفاوض.. الابتزاز

محمد أحمد التاروتي *

هناك فرق كبير بين التفاوض والابتزاز، فالأول يهدف الى الحلول مرضية للاطراف، من خلال تقديم تنازلات مشتركة، وفقا لقاعدة ”لا غالب ومغلوب“، بحيث تسجل نقاط ايجابية لجميع الاطراف، مما يجعلها تنظر للنتائج المتفق عليها كونها انتصارا، فيما الثاني «الابتزاز» يمارس من طرف قوي تجاه الحلقة الأضعف، مما يدفعه لانتهاج وسيلة فرض شروط غير قابلة للنقاش، وبالتالي فان الطرف الضعيف مضطر، لتنفيذ تلك الاملاءات في أسرع وقت، بمعنى اخر، فان الاتبزاز يمثل قمة الانحطاط الاخلاقي، في مختلف الاصعدة، لاسيما وان الطرف الممارس لهذا السلوك، يضرب بعرض الحائط الاعراف الانسانية، القائمة على الاعتراف المتبادل بمصالح مختلف الاطراف، انطلاقا من مبدأ العيش المشترك المعتمد على الأخذ والعطاء.

التفاوض يمثل الجانب الإيجابي في الصراعات القائمة، حيث تكشف عن نوايا حسنة للتوصل الى حلول، واعادة الوئام مجددا، اذ يحاول كل طرف استخدام الاوراق الضاغطة، للحصول على اكبر من المكاسب، مما يجعل كلمته العليا على طاولة المفاوضات، الامر الذي يفسر الحرص على تشكيل الفريق القوي، والقادر على انتزاع النقاط على حساب الطرف الاخر، فالزمن يشكل اهمية في جولات المفاوضات، ولكنه يحتل المرتبة الاخيرة، في حال جاء على حساب المكاسب، والفوز في معركة المباحثات.

التفاوض يمثل بارقة امل، في وضع الاشتباك جانبا، والجنوح للسلم، باعتباره السبيل الى ترطيب النفوس، وتهيئة الظروف لاعادة وصل الروابط المقطوعة، خصوصا وان التمسك بالمواقف يكرس حالة الشقاق، ويعزز الفرقة، وبالتالي فان التفاوض يبحث في نقاط الالتقاء، باعتبارها السبيل الجامع للدخول في مرحلة جديدة، بينما يعمد المتفاوضون لتجميد مواضع الخلاف جانبا، خصوصا وان البدء في نقاط الالتقاء، يدعم النوايا الحسنة في معركة التفاوض، فيما الانطلاق من اسباب الخلاف تكشف سوء السريرة، وتجعل عملية التوصل الى حلول مشتركة صعبة المنال.

بينما يتخذ الابتزاز الجانب السلبي، فهو يؤشر لنوايا سيئة، ويهدف لإهانة الطرف الاخر، فالطرف القوي يمارس املاء الشروط، والسعي الحثيث لانتزاع التنازلات بشكل مباشر، سواء جاءت عن طيب خاطر، او من وراء ”الخشم“، وغالبا ما تكون التنازلات بالجبر والقهر، حيث يستند المبتز على حائط القوة، لاجبار الطرف الضعيف، على تفريغ الجيب، او الانطواء تحت سلطته الاجتماعية، ونفوذه الاقتصادي، وارادته السياسية، مما يفقده القدرة على المناورة، او محاولة الخروج من دائرة نفوذ القوي.

الابتزاز سلوك انتهازي، يمارسه البعض بمجرد الشعور بالقوة، وامتلاك السلطة، فهو يتحرك باتجاهات مختلفة لتكريس سلطته، والحصول على المزيد من المكاسب، مما يدفعه للبحث عن الاطراف الضعيفة، للتلويح بالقوة وفرض الشروط عليها، خصوصا وان الطرف القوي على قناعة تامة بعدم قدرة الاطراف الضعيفة، على المناورة والمماطلة، فضلا عن الاعتراض، والرفض لتلك الاملاءات، فهي مجبرة على تقديم فروض الطاعة، انطلاقا من قناعتها بعدم جدوى الرفض، مما يجعلها تفتح الخزائن صاغرة، ودون القدرة على الحديث.

كاتب صحفي