آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

اعترافات في عرفة الحج

المهندس أمير الصالح *

في جلسات التاهيل اللياقة البدنية ”physical therapy“ كان جورج اللبناني هو مشرف العلاج البدني للاستاذ رائد. بالعادة يكون الحوار بين رائد وجورج متعدد العناوين اثناء الجلسات الطبية الى جانب التعريج على بعض الاخبار والفكاهة واطلاق بعض التعليقات على اخر الاحداث مع كامل الاحترام المتبادل بين الطرفين. وعند اقتراب موسم الحج، أخبر رائد جورج بانه سيقصد حج بيت الله الحرام بمكة المكرمة.

جورج: شو بتعمل هونيك؟

رائد: سلامتك ساصلي لله وسا عترف لله بذنوني واغتسل منها وادعو الله بحسن العاقبة واجدد عهد بالقيم والتامل في معان الوجود وطلب الحاجات من الله ك الصحة والعافية والسعة في الرزق والسعادة.

جورج: هل عندكم بالاسلام جلسات اعتراف؟!

رائد: نعم..... لكان قصدي بالاعتراف هو مراجعة مع الذات والوقوف امام الله خمس مرات باليوم والحج اكبر وقوف بين يدي الله في محشر مصغر ومهيب.

جورج: هل انتم ك مسلمين بتروحوا لقديس او رجل دين وبتعترفوا باقتراف الذنوب؟

رائد: شكلك ياجورج تعيش بيننا وما تقراء او تتعرف على محيطك وكأنك جزيرة بمحيط!

جورج: لا... القصد، هل تعملوا مثل ما بنعمل في الكنيسة

رائد: نحن نتوجه لله مباشرة وندعوا الله بما نريد ونستغفره ونعترف له بالعبودية

جورج: انت ماشاء الله عليك بتصلي وبتصوم وبتعطي الفقراء مصاري وبتطعمي الفقراء برمضان. اسم الله عليك. انت مصيرك بتقديري انك دوغري بالجنة.

رائد: شكرا، هذا من حسن ظنك ياجورج؛ بس وينك تعال معاي الجنة.

جورج وبنبرة صوت مختلفة: شو قصدك؟! كل واحد منا يروح بالطريق يلي بده اياه للجنة. شو خصني بخياراتك وشو خصك بخياراتي.

جورج مناديا المراجع الثاني من خلال الاتصال الهاتفي للاستقبال: لطفا ادخال المراجع اللي عليه الدور، هلّا. وكان رائد مستغرب لردة فعل جورج.

دخل المراجع الثاني واذا بكل من المدلك جورج والمراجع رائد يقفا مشدوهين، وصرخا ب ذات الوقت: فريد... سلامات.

شكر فريد ترحيبهما الحار به وقال كنت في الصالة الخارجية للعيادة حيث كان باب الغرفة مفتوح جزئيا وسمعت بعض نقاشكما.

تفاجئ كلا من جورج ورائد من قول فريد. واسترسل فريد في القول: اذا سمحتما لي بالتعليق عن ماوقع على سمعي من حديثكما. العام الماضي كنت في وادي عرفة وهي منطقة خارج منطقة الحرم المكي حيث يُعتقد بانها كانت منصة اعتراف ابو البشرية، آدم. وهذا اول اعتراف على سطح كوكب الارض بالعبودية والذنوب وطلب المغفرة من الله. وكانت لي جولة بين صفوف قوافل الحجاج من كل الوان الطيف الاسلامي هنالك. الكل يلهج بلسانه ذاكرا لله وطالبا لـ المغفرة واقرار بالذنب؛ واتذكر الى الان وقع دعاء سيد شباب الجنة، الامام الحسين بن علي بن ابي طالب في يوم عرفة اي اليوم التاسع من شهر ذي الحجة والذي مطلعه «الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌوَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ وَلا تَخْفى عَلَيْهِ الطَلائِعِ.... يا أَسْمَع السَّامِعِينَ يا أَبْصَر النَّاظِرِينَ وَيا أَسْرَعَ الحاسِبِينَ وَياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ المَيامِينَ، وَأَسأَلُكَ اللّهُمَّ حاجَتِي الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي؛ أَسأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ....

ثم بعد ذلك يتوجه الحجاج نحو وادي مزدلفة ثم وادي منى حيث هو الأضيق مكانا وحيث رموز الشياطين الثلاثة «الجمرة الكبرى والوسطى والصغرى» ثم الولوج الى حرم بيت الله كرمزية القبول والنجاح في تخطي الاهواء والشهوات الاربع «السباعية والشهوانية والغضبية واخرى رابعة لا أتذكرها» لتربية الذات.

اتيحت الفرصة لي ايضا زيارة الفاتيكان بمدينة روما الإيطالية وشاهدت بعض اعترافات البعض من الناس للقديسين او الكرادينلة ومحور الاعترافات هي الخطايا السبع. والخطايا السبع في الفكر المسيحي الكاثوليكي كما قراءت في احد الكتب هي: الغرور والجشع والشهوة والحسد والشراهة والغضب والكسل. سيرة العقلاء من بني البشر توجب الارتقاء الفكري والروحي والنفسي كما هو الحال في الانجاز المادي والمالي والمعرفي والتقني لايجاد حالة عيش مشتركة تؤمن العروض «الفروج» والاموال والدماء.

جورج: استاذ فريد، انا مش مسيحي ولكن هذا استنتاجك بنفسك وهو في ذهنك ان كل شخص اسمه جورج يعني انه مسيحي. انا ك شخص جورج مش بؤمن باي دين. انا اؤمن بالقيم الانسانية وفقط. انا كنت طوال تلك المدة أجامل الاستاذ رائد كونه مسلم وكوني اعمل في مجتمع مسلم فلا بد لي ان أجامل المحيط.

رائد: استاذ جورج، انا مش مسلم ولكن هذا استنتاجك انت بنفسك واعتقادا منك ان كل شخص اسمه رائد ويتكلم عربي يعني انه مسلم. انا مش بؤمن باي دين مثل ما انت. انا اؤمن بالقيم الانسانية كا لحرية والديمقراطية. انا طوال تلك الفترة الماضية كنت أجاملك يا جورج.

فريد: اضحكتموني يا افنديه. شكلكم راح تخترعون دين يتناسب مع مصالحكم ومجاملاتكم. الغريب انكم تنادون باشياء مطاطة متغيرة بشكل يتناسب مع مصالح الاقوى وليس الأعدل او المطابق للعدل والحقيقة. لطفا افيدوني لاحقا بمعايير الدين الذي ترتأون لانفسكم اولا وللاخرين ثانيا مع ضمانة عدم ازدواجية المعايير.