آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

كيف سينمو الاقتصاد السعودي؟ «4»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * الاقتصادية


وهكذا فإن عدم استنباتنا محليا لعوامل الإنتاج، رغم سعينا على مدى يقارب نصف قرن، ورغم تمويل إيرادات النفط لهذا المسعى لنحو يطول عن ذلك بثلاثة عقود، أمر يبرر إطلاق جهد ”مزعزع“ disruptive ليكسر رتابة العادة وركود السياق. ومن هنا ينبثق التحدي الحقيقي ويولد، وهو تحد ليس بالإمكان تجاوزه لاتصاله بما ينبغي فعله مستقبلا، وأي منحى علينا سلوكه؟ فهناك من يفضل الرتابة ويسميها استقرارا، رغم أن لا استقرار لمؤشرات النمو فيها، إذ لم تبرح على مدى عقود تتراقص على وقع إيرادات النفط وتحذو حذو ”القدة بالقدة“؛ فتارة تصعد وأخرى تهبط، دون ضابط، لينعكس ذلك التراقص على مؤشرات الأداء الاقتصادي والمالي، فتارة في انبساط وأخرى في انكماش، وأحيانا في الخزانة فائض وأخرى على كاهلها عجز! إذا هي رتابة، وليس الاستقرار الاقتصادي رتابة مسترخية، بل اطمئنان يشع حياة تستقطب الباحثين عن النجاح في العمل والاستثمار.

وقضية النمو الاقتصادي ليست قضية هامشية، وليس بالإمكان تهميشها، فهي تمتلك صدر المشهد، فبدون معدل نمو حقيقي يتجاوز معدل نمو السكان لن يكون هناك ازدهار وبحبوحة. وإن حدث وتحقق تفوق معدل النمو الحقيقي فالعبرة بأن يكون مستداما، أو على الأقل يمتلك معطيات وأسباب الاستدامة، بمعنى أن ينتج النمو الاقتصادي عن امتلاك الاقتصاد المحلي ناصية عوامل الإنتاج، بما يؤدي إلى توليد قيمة مضافة بكفاءة تمنح الاقتصاد المحلي ميزة تنافسية تفوق المنافسين. وذلك يعني تحديدا موردا بشريا منتجا، ورأسمالا قابلا للاستثمار، وتقنية تقوم على الإبداع والابتكار، فإذا اجتمعت سويا ووظفت بحذق، أصبح الاقتصاد في المقدمة بغض النظر عن حجم البلد وثرواته الطبيعية. هذا ما تبينه التجارب عبر التاريخ قديما وفي وقتنا الراهن، وكثيرا تتكرر أمثلة مثل اليابان وكوريا وسنغافورة.

وكذلك تخبرنا التجارب الدولية السابقة أن انتقال الاقتصاد من حال لحال، ومن نسق لنسق أفضل من الأداء، يتطلب إطلاق جهد مزعزع، وهو عبارة عن حزمة من السياسات والمبادرات التي في حال تنفيذها تنتقل بالاقتصاد من الرتابة إلى النمو العالي. وإن كان كثيرون لا يذكرون تجارب دامت عقودا مثل تجربة اليابان أو حتى كوريا، إلا أن حتى الشباب اليافع قد عايش الأزمة المالية العالمية، التي كادت أن تقضي على عديد من الاقتصادات قبل عشر سنوات نتيجة لانكشاف نظامها المالي على الخارج، منها من نهض ومنهم من ما برح يكابد، والنهوض المقصود في هذا السياق هو ”النمو الاقتصادي“.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى