آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

الجامعات وتقييد ملابس البنات

علي جعفر الشريمي * الوطن أون لاين


ما نشاهده اليوم من تعاميم تفرض على بناتنا في الجامعة لبسا معينا والخروج في وقت معين، حصيلة عقلية الترويض التي ورثناها من تعليم الكتاتيب

الجامعات وتقييد ملابس البنات

ما نشاهده اليوم من تعاميم تفرض على بناتنا في الجامعة لبسا معينا والخروج في وقت معين، حصيلة عقلية الترويض التي ورثناها من تعليم الكتاتيب

تداولت وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي المحلية خلال الأيام الماضية تعميما مفاده أن جامعة القصيم أبلغت جميع الكليات التابعة لها بضرورة الالتزام بالزي المناسب للمكان، بعدما لاحظت عدم التزام منسوبات الجامعة بالزي المحتشم، وأشارت في تعميمها أن كل من ينتمي لهذا الصرح يجب أن يراعي آداب اللباس. وأكدت وكيلة كلية الجامعة لشؤون الطالبات خلال التعميم على أنه يتوجب على الطالبات ارتداء التنورة السوداء الطويلة والفضفاضة والخالية من الفتحات، وأن تتجنب ارتداء البلوزة ذات الألوان المزعجة.. وكذلك منع الهيئة التعليمية والإدارية لبس البنطال والتنانير القصيرة... السؤال الطبيعي والمشروع: هل اللباس وجد من أجل الإنسان؟ أم الإنسان وجد من أجل اللباس؟ وعليه يمكننا إسقاط هذا السؤال على السيدات: هل خلقت المرأة من أجل اللباس؟ أم العكس؟ بمعنى من يأتي أولا المرأة أم لباسها؟ على طريقة البيضة أم الدجاجة؟ في الواقع إن حرصنا الزائد والمتشدد هو الذي أوصلنا لدرجة الفوبيا في مسألة حشمة المرأة، جعلنا من دون أن نعي، نحرص على اللباس أكثر من حرصنا على المرأة نفسها بدليل الحوادث التي حصلت في السنوات الماضية من قبيل عدم دخول المسعفين في مدارس البنات، وكذلك منعهم من دخول الحرم الجامعي للبنات بسبب عدم وجود غطوة على وجه المريضة، بالإضافة إلى التعاميم التي تصدر الفترة تلو الأخرى من مؤسساتنا التعليمية عن ذات الموضوع، كل ذلك يؤكد على تفضيل اللباس والعباءة على المرأة ذاتها. 

وغير المفهوم بالنسبة لي هو إقران بيئة الصرح العلمي بلون التنورة والبلوزة وشكلها! في الواقع عملت مسحا بسيطا عن الجامعات العريقة والمتقدمة وحتى غير المتقدمة لم أجد منها ما يحدد لون اللباس المخالف للصروح الجامعية. وهنا يحق لنا أن نسأل: كيف اكتشفت جامعة القصيم دون غيرها من المؤسسات البحثية والتربوية في العالم بأن اللون الأسود في اللباس ينسجم مع البيئة التعليمية والجامعية للبنات؟ هل هناك فلسفة في علم الألوان اعتمدتها الجامعة، خاصة أن هناك تركيزا في التعميم على تجنب الألوان المزعجة؟! ولا أعلم هل هناك ألوان مزعجة يتفق عليها الجميع أم أن المسألة ذوقية؟! في الحقيقة لو كانت الجامعة تقر بأن المرأة تأتي أولا قبل اللباس فسيكون لون اللباس راجعا للفتاة وحدها، وحسب ذوقها، مثل اختيارها لون حقيبتها وأقلامها وأدواتها المدرسية. 

والسؤال الآخر هل هناك تعاميم من الجامعة تحدد وتشترط ألوانا معينة لملابس الطلبة الذكور؟ أم أن الرجال وحدهم لهم حرية اختيار الملبس؟ في علم الإدارة هناك ما يسمى بالثقافة المؤسسية التي من خلالها تبني الإدارة خططها الإستراتيجية، فإذا كانت ثقافتها منتهية الصلاحية فيجب تغييرها، وإذا كانت إيجابية فيجب المحافظة عليها وتطويرها. في نظري إن تعليم البنات ما زال اليوم محتفظا بثقافته الماضوية، أي عندما كان تعليم الكتاتيب النسائي في بداياته يعتمد على النهج التربوي المقبول في ذلك الزمن، والذي كان ينتج زوجة مطيعة تتعلم القراءة والكتابة والصلاة والصوم، ويشكلها كفتاة من ضمن البنات، أي لا يعتد بشخصيتها المستقلة. أما اليوم وقد تطور المجتمع كمّا ونوعا الأمر الذي يحتم علينا قراءة تربوية مغايرة للتربية السابقة للبنين والبنات، بحيث تواكب التطورات الجديدة في المجتمع ومعطيات التنمية الحديثة، أخيرا أقول: ما نشاهده اليوم من تعاميم تفرض على بناتنا في الجامعة لبسا معينا والخروج في وقت معين، كل هذا التضييق المتعمد هو حصيلة عقلية الترويض التي ورثناها من تعليم الكتاتيب، وهذا ما يجعلنا ندور بشكل أفقي ونعيد إنتاج أنفسنا.