آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

اليوم الوطني قيمة إنسانية كبرى

محمد الحرز * صحيفة اليوم

مظاهر الاحتفالات التي عمت أرجاء الوطن بمناسبة اليوم الوطني كانت فرصة كبيرة للتعبير عن القيم الإنسانية والتاريخية التي يمثلها الوطن في نفوس أبناء مجتمعه من جميع فئاته المختلفة، فلا غرابة أن ترى مثل هذه الاحتفالات يشارك فيها الصغير قبل الكبير والسيدات قبل الرجال، بل كان للعوائل نصيب كبير من هذه الاحتفالات وبخلاف السنوات السابقة، جاءت المناسبة هذه السنة كالنهر المتدفق الذي يجري في جميع الاتجاهات، فالمسابقات والألعاب والعروض الموسيقية والترفيهية والندوات والأمسيات كانت العنوان الكبير الذي التف حوله عامة الناس، استشعار الناس بقيمة الوطن ينبع من الداخل، من الوجدان، من قدرتهم على تأثيث ذاكرتهم بجمال اللحظة التي يربطونها بالفرح الخاص بشيء اسمه الوطن. فالداخل هو ما يفيض من المشاعر ومن ثم إعطائه معنى يتحول لاحقًا إلى رمز وأيقونة لا تنفك تغذي حياة الناس، وتسمح لهم بالتالي أن يرسموا صورة في أذهانهم وأذهان أبنائهم عن معنى الوطن وموقعه في حياتهم اليومية. هذه الصورة لا تكون وظيفتها على مر السنين سوى إضفاء القداسة على سلوكياتنا وأفعالنا وعلاقاتنا الاجتماعية، ولو أجلنا بنظرنا إلى أوطان المجتمعات الأخرى، خصوصًا تلك التي كانت سباقة للدخول إلى عالم الحداثة كالمجتمعات الغربية فإنك ستجد وشائج عديدة تربط بين المجتمع والمكان الذي يعيشون فيه، هذه الروابط أو الوشائج لا تُصنع في يوم وليلة، بل هي وشائج تراكمية تبدأ بالنشيد الوطني ولا تتوقف عند تمثيل الوطن بأفضل حال سواء أكانت مناسبات رياضية أو فنية أو أدبية فكرية أو مسابقات علمية، وهذه أمور لا تحدث دفعة واحدة، بل تحتاج إلى إرادة وتصميم وتنسيق ونظام ورؤية مستقبلية وعمل دؤوب على تحقيق هذه الرؤية باعتبارها حياة كاملة تنسحب على جيل أو جيلين بالكثير.

فالمجتمعات الغربية على العموم رغم الإرث التاريخي الثقيل الذي بطبيعة الحال يعيق أو يبطئ حركة تقدمها للمستقبل مقارنة على سبيل المثال بأمريكا التي لم يعرف لها إرث تاريخي يمكن أن يؤخر حركتها كما في المجتمعات الغربية فإن هذه الأخيرة استطاعت أن تحول هذا الإرث الثقيل بعد المرور بمآسٍ وحروب إلى ذاكرة مليئة بالكثير من الجمال والحب، فأغلب مدنها لا تخلو من مهرجانات لا تمجد ماضي بلدانها بالقدر الذي تعلي فيه من شأن الدروس والعبر التي تستخلصها الأجيال من ذلك الإرث، والمتاحف المنتشرة بكثرة ليست إلا واحدة من تلك العبر التي تحول هذا الإرث إلى روح جمالية لا تنفصل عن روح المدن في ذهنية الناس وسلوكهم، لذلك أهمية الاحتفالات والمناسبات تنبع من هذه الوظيفة الرمزية التي تشكل في الغالب الأعم العامود الفقري لكل مجتمع ينشد الحب والسلام والتطور، وأظن أن ابتكار المناسبات التي تتعلق بالوطن مطلب ضروري لتربية النشأ بالدرجة الأولى ولتقوية الروابط بين أبناء المجتمع ثانيًا.

لكن مدار نجاح كل ذلك يرتبط بقوة رسم السياسة العامة في تدعيم هذا الجانب: إعمال المخيلة في ابتكار المزيد من الروابط بين المجتمع من جهة وقيمة الوطن من جهة أخرى.