آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

تعافي المنشآت من العلل الإدارية

سكينة المشيخص * صحيفة اليوم

التأمين الصحي من العمليات التنموية عالية الأهمية، بل هو من إستراتيجيات التنمية الشاملة؛ إذ إن الصحة من المتطلبات الأساسية لأي مجتمع، والدولة معنيّة بذلك بحيث تنظم النشاط الصحي في القطاعين الخاص والعام بتوازن يضمن توافر الرعاية الصحية لجميع الأفراد الذين يدخلون ضمن الدورة الإنتاجية التي تحتاج إلى مجتمع صحي ومتعاف.

الخصخصة التي تعتبر أحد أبرز برامج الرؤية الوطنية تشمل القطاع الخاص بما يوفر تقديم خدمات صحية تنافسية عالية الجودة وتغطي كل فرد داخل المنظومة الاجتماعية، ولذلك فالقطاع الخاص تحديدًا معني بصورة رئيسية بإضافة جميع مَن يعملون فيه وأسرهم في قوائم الرعاية الصحية، ولا مجال لأي التفاف على توجّهات الدولة في هذا الشأن؛ لأنه يتعارض مع مصلحة وطنية عليا في تحقيق أهداف المحورين الأول والثاني من الرؤية، وهما مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر.

للأسف في بعض الأحيان نلحظ بعض التجاوزات التي تكشف عدم استجابة للخطط الطموحة للتنمية على نحو ما ورد في الأخبار مؤخرًا أن مجلس الضمان الصحي التعاوني بالتنسيق مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، قرّر إيقاف الخدمات عن 150 منشأة خاصة منذ بداية العام الجاري 2018م، وذلك بسبب مخالفتها النظام، وعدم توفيرها التأمين الصحي لعامليها.

طالما النظام واضح، والمشرّع أقر هذا الأمر بما يتفق مع مصلحة عامة ورؤية إستراتيجية ينبغي أن يرتفع مستوى الاستجابة، لأن وصولنا إلى مرحلة إيقاف خدمات عن منشآت يعني تعطيلها جزئيًا في إطار عقوبة إدارية وخدمية كان يمكن تجنبها والاستمرار في النشاط بسلاسة وحيوية دون مشكلات، فصاحب العمل ملزم بقوة النظام بتوفير التأمين الصحي لجميع العاملين من سعوديين وغير سعوديين، وأفراد أسرهم.

ورغم أن النظام ينص على أن صاحب العمل الذي لم يشترك أو لم يقم بدفع أقساط الضمان الصحي التعاوني عن العامل لديه ممن ينطبق عليه النظام وأفراد أسرته المشمولين معه بالوثيقة، يُلزم بدفع جميع الأقساط الواجبة السداد، فضلًا عن دفع غرامة مالية لا تزيد على قيمة الاشتراك السنوي عن كل فرد، إلا أنه رغم كل ذلك نجد مماطلات تنتهي إلى استحقاق العقوبة.

أيًّا كانت الأسباب والظروف فإننا في مرحلة النمو الحالية بحاجة إلى استمرار أي نشاط اقتصادي في أداء دوره التنموي دون توقف أو معوّقات، والاقتصاد الوطني يمنح المنشآت مساحات واسعة من النمو على أن تلتزم بمصفوفة الحقوق والواجبات، لذلك من الضروري أن تتجنب أي منشأة الوقوع تحت طائلة النظام ليس بغرض تجنب العقوبات، وإنما لضمان استمرار عملها كإضافة للاقتصاد والعمل التنموي.

لا يحرص النظام على إيقاع العقوبات وتحصيل الغرامات، وإنما يستهدف ضمان عمل المؤسسات والمنشآت لأعمالها بكل كفاءة واحترافية إدارية تجعلها شريكًا فاعلًا في التنمية من واقع ما تجده من دعم وتسهيلات، فالحاجة إليها نشطة وعاملة وفاعلة أكبر من تعطيلها بالعقوبات أو إخراجها من الدورة الاقتصادية لأسباب كان يمكن تلافيها وتجاوزها من خلال المنهج الإداري السليم الذي يراعي متطلبات النظام، ويستوعب الرؤية الوطنية في العمل.

القطاع الخاص شريك تنموي ينبغي أن يعمل متعافيًا من أي علل إدارية، وذلك ما تحرص عليه الدولة، وتكافئ المجتهد وتعيد المخطئ إلى طريق الصواب الذي يجعله جزءًا من حلول المشكلات التنموية وليس جزءًا من مشاكلها، ولا شك في أن كثيرًا من المنشآت تعمل بهذا المفهوم، غير أن أي تفريط في المسار الإداري المتصاعد ينحرف بها إلى متاهات إدارية تعمل على تعقيد نشاطها وجعلها مشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل وداعمًا لنمونا وتنميتنا وازدهارنا.