آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:16 م

المفاكهة.. التهكم.. الاستهزاء.. السخرية

المهندس أمير الصالح *

- الضيف في برنامج تلفزيوني: «السؤال ده، هو سؤال المليون دولار»؛ المذيع: اعطني المليون دولار وخلي السؤال معاك.

- ‏ كتبت إحداهن في تويتر: ”زوجي هو الوطن“؛ فعلقت عليها امرأة أخرى: ”الوطن ملك الجميع“

- افتى رجل يدعي العلم بحرمه ان يلي الابن أباه في نفس المنصب الاداري الكبير وأستند في ذلك على الآية القرآنية الكريمة ”و لا تُنكِحُوا ما نكح آباءكم“

- ”انهم لا يأكلون الطعام الذي نقدمه لهم، انه لحم خنازير طازج“، قائد عسكري صربي يرد على استفسار لمراسل غربي إبان حرب البوسنة والهرسك 1994م عن سبب الضعف البدني الشديد للمسلمين المحتجزين لدى الصرب.

- ”تشابه علينا البقر“ كان تعليق احد المدرسين موجه لبعض طلابه عندما اخفقوا في الرد على بعض أسئلته الشفوية

- ”اسأل ربك، قد يتحقق ذلك الهدف في حياته“، كان ذلك تعليق لاحد الملاحدة عند نقاش اهداف احد الخطط المطروحة في الشركة التي يعمل مستشارا بها لهم.

قد تكون الامثلة الواردة أعلاه توصف من البعض انها مفاكهة او استهزاء او تهكم او سخرية.

في حياتنا العملية اليومية نتصادف بوجود وجهات نظر متضاربة بين البعض من الناس في تفسير وتأويل الكلام الذي صدر من الاخرين. هل هو خبث او تهكم او استهزاء او اثارة روح المسخرة او تهتك لفظي او ملاطفة او... او...

يقول المترجم محمد عناني في كتابه ”فن الترجمة“ ص 14 ط الخامسة، بذلت جهدا مضنيا امتد لعدة سنوات لإيجاد مرادف لغوي عربي رصين لكلمة cynicism ولم يجد لها ترجمة مقبولة يرضي هو عنها رغم اهتمامه لعدة سنوات بالكلمة. لفت انتباهي هذا التعبير لهذا الرجل المشهود له بتمكنه اللغوي الواسع في حقول الترجمة.

لعل البعض يترجم كلمات م satire وirony وsarcasm على انها مرادفات وهكذا يتم في اللغة العربية يتم التبادل في استخدام كلمة الانتقاد الساخر والتورية الساخرة والتهكم في الترجمات. الا ان واقع استخدام كل كلمة يعكس معان وتطبيقات مختلفة قد يكون سوء استخدام ايها منها نتائج وخيمة ومنها على سبيل المثال ما حدث بأحد الدول التي انتهى ب صاحب التهكم الى حكم رادع في حقة لتعرضه لذات الحاكم. وكذلك لتعرض متهكم آخر لتنكيت في حق قبيله ادى الى استصدار قانون يُجرم من يستهزأ بها.

كل تلكم المقدمة هي محاولة بسيطة مني لـ الوقوف على امور لفظية قد يستهين البعض من تبعاتها او قد يشار اليها بانه استخفاف بمشاعر الاخرين دونما التفات من المتحدث بذلك او شغفا في اضحاك الاخرين واضعا نفسه بدور الارجوز دونما التفات الى التبعات او بنيه صادقة يسعى البعض لرسم الابتسامة. ففي تصريح صحفي قال قائد عسكري عندما تم مسائلته عن سقوط ضحايا مدنيين كُثر فقال ”انه الحصاد المعتاد regular harvest“! وبعد إلحاح الصحفيين عن سبب عدم محاولته لتقليل الخسائر من المدنيين، هز القائد العسكر كتفه مع اطلاق ابتسامة غامضة وقال:“ هل على الانسان ان يكون بليد الحس حتى يكسب الحرب؟ ".

الحديث قد يطول في هذه المفردات الا انني أشفق على بعض الناس في خسرانهم لأبناء مجتمعهم الحاضن لهم بسبب سوء توظيف العبارات اللفظية التي تخضع في نطاق السخرية او التهكم او الطنز على قيم ومبادئ اصدقاءهم او لهجات ابناء قراهم او تناقل نكت تحط من قيمة وذكاء ابناء مدينتهم. والادهى ان بعض من اولئك يصدّع القول بان مصدر رزقه لا لم ولن يتأثر بمن يتهكم بهم من الاخرين من ابناء مجتمعه اشخاصا وافكارا وممارسة.

من ناحية اخرى الحساسية المفرطة تؤدي الى تشابك المفاهيم في التمييز بين المفاكهة والطنز والتهكم. حتى اضحى البعض من ذوي الضحالة في التحصيل العلمي والديني والفكري ويتحدث بعضهم باسم الدين او اهل العلم او اهل البلاد فيجعل أبناء مجتمعه او معتقده محطة طنز ومضحكة للآخرين ثم يلوم الآخرين اذا هم استهزأوا به والاكثر الما ان ذلك المتحدث يستشيط حنقا على جماعته وابناء دينه او بلاده انهم لم يهبّوا لدفاع عن خزعبلاته وسذاجته ويتهمهم بالخذلان او قله الوطنية او ضعف العقيدة!!.

من الجميل ان يعيش الجميع في عالم الديجيتال والواقع شعار ”كبر ال G وروق ال D“ فقد لاحظنا ازدياد نقاط الاستقطابات بين اطراف المجتمع الواحد في كل افق؛ نحن جميعا بحاجة الى ان نستمتع ونعيش جمال اللحظة ونتفاكهة باحترام ونرسم الابتسامة على وجوه من يعيشون حولنا.