آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

اختطاف الحقيقة

محمد أحمد التاروتي *

يلجأ البعض لاستخدام شتى أساليب الدهاء والمكر، في سبيل حجب الرؤية عن الحقائق تجاه الاطراف الاخرى، حيث يعمد لممارسة الكذب تارة، والتلاعب بالمعلومات تارة اخرى، من اجل تكريس وجهة نظره على الجميع، باعتبارها الصواب الذي لا يقبل الشك او الرفض، الامر الذي يدفعه لمحاربة وجهات النظر الاخرى، باعتبارها تزييف وكذب وبهتان، وبالتالي فانه يعمل جاهدا في سبيل وأد الافكار المضادة في مهدها، عبر استخدام مبضع الجراحة لاستئصال العنصر الفاسد «المنافس» من الجسم الاجتماعي.

الخشية من انكشاف الحقائق، تشكل احد الاسباب الرئيسيّة، وراء التحرك المستميت، لايقاف مختلف النوايا الصادقة للوصول الى الحقيقة، خصوصا وان تغييب الحقائق يبقيه في موقعه المتقدم من جانب ومن جانب فان اخفاء الحقيقة يخلق مشاكل كبرى على الصعيد الشخصي، والاجتماعي في الوقت نفسه، فالطرف المتضرر من إماطة اللثام عن الحقائق الناصعة، يحاول الاستفادة من المناخ الاجتماعي، في تمرير المعلومات المغلوطة، خصوصا في ظل الصراع القائم مع الاطراف المنافسة، الامر الذي ينعكس على البيئة الاجتماعية، فالتضارب في نشر المعلومات يحدث حالة من الإرباك، وعدم القدرة على القراءة الدقيقة، مما يساعد على استقطاب شريحة اجتماعية، وبالتالي السيطرة على تفكيرها، واستلاب ارادتها، لاستخدامها كحائط صد، في مختلف المواجهات مع الاطراف الاخرى.

اختطاف الحقيقة مرتبطة بصياغة سيناريو قادر على الاقناع، فنشر المعلومات المغلوطة ليس كافيا للحصول على النتائج المرجو من طرف المتلقي، الامر الذي يتطلب التعاون مع عناصر تمتلك قدرات عالية في تحويل الشائعات الى حقائق، من خلال وضع برنامج متدرج للتلاعب بالحقائق، عبر تمرير الكذب بمجموعة حقائق، ”دس السم بالعسل“، وبالتالي فان مهمة استقطاب البيئة الاجتماعية، يتطلب التحرك بشكل مدروس، والابتعاد عن التهور، او الأقدام على خطوات غير محسوبة، نظرا للتداعيات المترتبة على انكشاف الحقائق.

المراهنة على الزمن، احد الأدوات المستخدمة في اخفاء الحقائق، حيث يعمد المتلاعبون لبث الشائعات بين فترة واخرى، فضلا عن إطلاق معارك جانبية لأشغال المجتمع، في قضايا هامشية او تافهة، بغرض قطع الطريق امام الاطراف المنافسة، لحث البيئة الاجتماعية على التحرك الجاد، للبحث عن الحقائق، بمعنى اخر، فان المعارك التافهة التي تطلق بين فترة واخرى، تمثل احد الوسائل لأشغال المجتمع عن الامساك بالحقائق، خصوصا وان اسقاط الاقنعة عن الوجوه، يمثل النهاية للطرف المتضرر من انكشاف الحقائق.

ادارة الصراع بشكل احترافي، يفوت الفرصة على الاستمرار، في طمس الحقائق، فالأطراف الاخرى قادرة على افشال الكثير من الخطط المرسومة، لابقاء الحقائق طَي الكتمان، من خلال استخدام الطرق المضادة، او محاولة قراءة طريق التفكير للطرف المنافس، مما يمكنه من التحرك السريع لقطع الطريق، امام استقطاب البيئة الاجتماعية، وبالتالي، فان الصراع يتطلب ايجاد الوسائل المتاحة لتحقيق الانتصار، وعدم الاكتفاء بردات الفعل، لاسيما وان الضربات الاستباقية تشكل فرقا، في كسب الجولة في بعض الاحيان، بخلاف انتظار خطوات الطرف المقابل.

تبقى عملية اختطاف الحقيقية، وسيلة مستخدمة لمواصلة مشوار الغش، والتلاعب بمشاعر المجتمع، خصوصا وان البقاء على عرش المكانة الاجتماعية، يستدعي إضمار الحقيقة واظهار الكذب، من خلال الترويج لانتصارات وهمية، واكتشافات مكذوبة، بيد ان الوعي الاجتماعي يمثل احد الأسلحة، لإعادة الامور للنصاب الصحيح، بمعنى اخر، فان استمرارية طمس الحقيقة، مرتبط وجود بيئة اجتماعية، فاقدة للقدرة على التفريق، بين الحقائق والكذب.

كاتب صحفي