آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الانعزالية.. الخيارات

محمد أحمد التاروتي *

التوجه للانعزال والعيش بعيدا عن البيئة الاجتماعية، مرتبط بحالة النفسية، وكذلك بطبيعة العلاقة مع العالم الخارجي، فهناك انعزالية طوعية ناجمة عن ردة فعل غير سليمة، سواء بسبب مواقف سلبية، او نتيجة عدم القدرة على التأقلم مع البيئة الخارجية، مما يستدعي الدخول في صراع نفسي بين الابقاء على شبكة العلاقات، او الانزواء بعيدا عن الاخرين، انطلاقا من قاعدة ”الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح“، وبالتالي فان الحالة النفسية تمثل محركا رئيسيا، في توجيه خيارات البعض في التعاطي مع البيئة الخارجية، والانسجام مع التطورات والتحولات المتسارعة.

الانعزالية تكون خيارا مناسبا، ومفضلا للخروج من الوضع المتأزم والخانق، لاسيما وان العمل على مقاومة الضغوط الكبيرة ليس مجديا، نظرا لوجود مصالح كبرى، تدفع باتجاه تضييق الخناق على البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان صعوبة التحرك وانعدام الافق، في الانعتاق من الوضع المأسوي، يدفع باتجاه الانعزالية وعدم التدخل المباشر، في توجيه الرأي العام، باتجاه بعض القضايا الكبرى، خصوصا وان التدخل يمثل مخاطرة كبرى وغير نافعة على المدى القصير، واحيانا على المدى الطويل، مما يستدعي ”ابتلاع الموسي“، وتحمل الام العذابات، في سبيل امتصاص النقمة، وتفادي الدخول في صراعات دموية.

اختيار الانعزالية مرتبط بالظروف الاجتماعية السائدة، وكذلك بنوعية الخطاب المتداول في المجتمع، لاسيما وان البون الشاسع في نوعية الخطاب، يحدث صدمة كبرى لدى البعض، مما يدفعه للتواري للصفوف الخلفية، نظرا لوجود قناعات ذاتية بعدم جدوى المجازفة، ومحاولة اختراق الخطاب السائدة بمفرادات اخرى، وبالتالي فان التحولات الاجتماعية تشكل بدورها حاجز نفسي، في التحول باتجاه الانعزالية، والاحتفاظ بالاراء، والقناعات الذاتية، كنوع من الاستسلام، او تجنب الانخراط في معارك شرسة، باعتبارها من النتائج الطبيعية في ظل تشابك المصالح، بين مختلف الاطراف.

الانخراط في المسار الانعزليً تكون اثاره سلبية طورا، وايجابية طورا اخر، فاذا اتخذت كوسيلة للحفاظ على التماسك الداخلي، وتجنب الدخول في صراع، يفضي للانقسام الاجتماعي، فانه اثاره تكون ايجابية، ومحببة وليست سلبية، بمعنى اخر، فان الانعزالية المنطلقة من المبادئ الجامعة، والحريصة على التماسك الداخلي، تكون اثارها حميدة، ومطلوبة في بعض الاحيان، نظرا للاثار المترتبة على اتخاذ هذا المسلك على الصعيد الاجتماعي، فذه الطريقة الانعزالية ليست متعلقة بحالة فردية، بقدر ما تشترك مع البيئة الاجتماعية الجامعة.

فيما تكون الانعزالية سلبية، بمجرد اتخاذ خيار العزوف التام، عن التفاعل مع البيئة الاجتماعية، فهذه الطريقة تنم عن انهزامية، وعدم قدرة على المواجهة، مما يؤثر على طبيعة العلاقات الاجتماعية، نظرا لوجود ”طلاق“ بائن مع الجميع، فالعملية ليست مرتبطة بمواقف آنية او مشاكل مؤقتة، بقدر ما تمثل حالة مستمرة وطويلة الامد، وبالتالي فان الانعزالية التامة تؤثر على النظرة العامة للحياة الاجتماعية، بحيث تبرز على شكل انزواء تام عن التفاعل مع القضايا الاجتماعية، ومحاولة الهروب الدائم عبر الجلوس في الظل، وعدم الخروج للنور في سبيل التأقلم، والانسجام مع المجتمع، في مختلف الظروف المأسوية والمفرحة.

كاتب صحفي