آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا

ليلى الزاهر *

جميع القواعد التي نصّت عليها نظريات علم الاجتماع أجمعت على أن النفس البشرية تأنس بالحب والألفة وتركن لمن تجد عنده المتنفّس من ضغوطات الحياة. وبالمقابل نراها تهرب من كثير الشكوى والتذمر لأنها لاتجد عند شاطئه إلا المياه الضحلة التي لاتروي ظمئها.

والبعض من الناس فَهِم ذلك جيدا فكان تعايشه مع الناس مثل النسمة الهادئة التي تخفف عنهم جميع الآلام وتأخذهم إلى عالم مختلف، ُيمتّع الوجدان، ويمحو الأحزان.

كانت «سعاد» من الشخصيات المقرّبة للجميع في دائرة عملها كمعلمة حيث كانت لغتها المعتمدة هي لغة الحب في الله لقد اعتمدتها كوسيلة للتواصل وللتعايش مع الآخرين.

وكانت تمتلك لسانا منبعه عسلا، يتخلّله لين الحديث وجمال الكلمة. لن تجدها يوما شاكية أو باكية حتى في حال الألم والمرض لأنها أرادت إخراج كل جميل للآخرين.

واللافت في مثل هذا الموضوع أن البعض من الناس على النقيض من «سعاد» ديدنه في هذه الحياة تغليب المشاعر السيئة في المواقف الحياتية المختلفة.

لقد قادته أموره في مجملها لعشق الشكوى فيعيش الألم ويجبر الآخرين على سماع أطروحاته النكديّة الممزوجة بالتأفف والتذمر. لقد غدت الشكوى المكوّن الرئيسي لشخصيته مما حذا بالمقرببين له شدّ الرحال عنه في حال رؤيته مقبلا.

ولا ضير في أن يشتكي الإنسان بغرض البحث عن الحلول المناسبة لمشاكله بحيث يجمع عقول الآخرين لعقله باستشارته للصحبة المخلصة ولكن بأسلوب جميل يخلو من استجداء الشفقة وإظهار النقمة على من هم حوله وعلى ظروفه القاهرة ومقارنتها بظروف الآخرين.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

«قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»

إنها خولة بنت ثعلبة التي أعملت عقلها وخططّت لتصل لحل مشكلة من مشاكلها الزوجية لم تخطئ الطريق وإنما اتجهت لزيارة المعالج النفسي تلتمس منه الحلول. يممت وجهها شطر رسول الله عليه الصلاة والسلام في خطوات علاجية محمودة، يغمرها الرضا بكلامه وترضيها القناعة بحكم الله.

فإذا اقتربت من اليأس في حل مشكلة ما ماعليك إلا أن تطرق أبواب الخبراء والمختصين مبتعدا عن الشكوى والتذمر «فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا» وهل من الأدب مع الله تعالى أن تشتكي عليه عند عباده؟

قال الشاعر:

وَإِذَا شَكَوتَ إلى ابنِ آدمَ إِنَّمَا

تَشْكُو الرَّحِيمَ إلى الذي لا يَرْحَم.

إننا نعيش في وقت يستنفذ فيه الجميع المبالغ الطائلة لحضور جلسات الاسترخاء العطرّية، ويعقدون الدورات التدريبية والورش الفنية التي تزيد من تألقهم الحياتي.

إنهم يسعون لتطوير ذواتهم بشتى الطريق فلا نائم يشكو ولا عابث يلهو بل هناك الإلهام والطرق الوعرة التي يمهدها العمل والإصرار الحتميّ على الوصول.

نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب ويفتح لنا أبواب الصلاح ويسدد لنا خطواتنا.