آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

نبع الطواحين

يسألني الناسُ لماذا أنتَ نبعُ طواحين؟ تنبش وتشربَ من الماضي والحاضرِ والمستقبل وتدورها كأنها نبع طواحين! قلت: إما نبع الطواحين أو نبع الفكر أو نبع المي. بإمكانك أن تهتزَ وتتمايلَ أو لا شيء في حضورِ طواحينِ الهواء وهي كالشمس تمدك بالطاقةِ ولو غطيت عينيكَ عنها بيديك. أما ينابيع الماء التي تتجمع حولها الصبايا، ينقلونَ الماءَ في الجرار، فتمنح الناسَ الروحَ والحياةَ والحضارةَ لم تعد صافيةً هي أو ينابيع الفكر. هل تستطيع أنتَ أن تدلني على ينبوعِ ماءٍ أو فكرٍ لا يصيبه عطب؟ لم ولن يترك البشر ينبوعاً في صفائه!

أقولُ لأصحابي وقد طلبوا الصلا

تعالوا اصطلوا إن خفتم القر من صدري

فإن لهيبَ النار بين جوانحي

إذا ذُكِرَتْ لَيْلَى أحَرُّ مِنَ الْجَمْرِ

فَقَالوا نُريدُ المَاءَ نَسْقِي وَنَسْتَقِي

فقلت تعالوا فأستقوا الماء من نهري

فَقَالوا وَأَيْنَ النَّهْرُ قُلْتُ مَدَامِعِي

سَيُغْنِيكُمُ دَمْعُ الْجُفُونِ عَنِ الْحَفْرِ

فقالوا ولم هذا فقلت من الهوى

فَقَالُوا لَحَاكَ اللّه، قُلتُ اسْمَعُوا عُذْرِي

ألم تعرفوا وجهاً لليلى شعاعه

إذا برزت يغني عن الشمس والبدر

وبعدها كل الناس البسيطة محتاجةٌ نبعَ الطواحين، لما لا؟ يعمل معظم سكان العالم ساعاتٍ طويلة من أجل ربما شيئٍ من الخبز دون إدام وخرقة ثيابٍ ممزقة على ظهورهم، لا يستطيعون أن يشترون جديداً قبل أن يبلى القديم. من يقدم لهؤلاء الناس أفلاماً ومسارحَ ينامون في وقت العرض، أماكنَ يدفعون فيها مبالغَ قليلة ليسَ للفكرِ ولكن للنومِ والراحة. لا يحتاجونَ كثيراً من العقدِ يفكون رموزها مثل العالم المترف؟ بطلٌ فقيرٌ منهم ينط فوقَ كل الحواجز، لا يخترق جسده الرصاص ولا يموت!

إذاً، من يطحن الذكريات التي تحكي وجع الناس وأفراحهم؟ أكيدٌ أن الحكماءَ والفلاسفةَ لن يصفقوا لصاحب الطواحين، لكنه يكفيه الناس الذين يجرهم إلى ينابيعِ الطواحين، يحكي حكاياتهم، ينتشل عواطفهم من وادي الضعف ويرميها على هضابِ الأملِ أن الغد سوف يكون افضل. في ينابيع الطواحينِ التأمل في الشكوك وفي اليقين وفي العواطف! في الطواحين تستطيع أن تهمس في آذان الناس ويسمعوا، وفي ينابيع الفكر تغرقْ ويغرقوا.

ولأنني سفينةٌ تمخر عباب بحار العقول الواسعة تعددت أشرعتي، وعلي أن أختار وأجمع بين الأشرعة التي تأخذها نحو مرساها. في واقعِ الحياة لابد لنا من الطواحين والينابيع فليست الحياة كلها جد أو هزل ولكن شيئاً من هذا وذاك وليس للناس فيما يعشقون مذاهب...

فقلتُ دعوا قلبي بما اختارَ وارتَضى
فبالقلبِ لا بالعينِ يبصرُ ذو اللبِّ

مستشار أعلى هندسة بترول