آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

احترت يا أقرع من أين ابوسك

عبد الرزاق الكوي

جميع الآداب فن راقي ومن هذه الفنون الأدب الساخر، فن راقي وجميل وصعب يلجأ اليه الكاتب للتعبير عن فكرة ما، يستطيع إيصالها الى القارئ بطريقة افضل لو كتبت بشكلها العادي، ان يكتب شئ ويقصد نقيضه، فالأدب والكتابة الساخرة لاتتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى الهزل من القول أو الإستهزاء شخصيا بل نقل معاناة عامة أو قضية بإستخدام التفنن في صياغة التعبير تضخيما أو تصغيرا، تطويلا أو تقزيما، استخدام الثناء والمدح بغرض الإدانة والدم واللوم وإبراز الخطأ، وهو سبب وجيه يستخدمه الكاتب من اجل الابتعاد عن كتابة مفردات اللوم والهجاء باستخدام المدح بصيغة الدم وتكون مستساغة ومقبولة عند المتلقي، وتعطي معنى أقوى وأجمل، ولهذا يحتاج الكاتب الى ثقافة عالية ومفردات وتراكيب وعناصر بلاغية خاصة، وتطويع المفردات بتقانة عالية، تجمع فيها المتناقضات بطريقة محبوكة بعيدة عن الأسلوب المباشر، تصل الى القارئ بطريقة سلسة وجذابة كاشفة له العيوب ومواضع الخلل ومهما اغلقت الأبواب يمكن الدخول من النافدة، ليقول للخطأ لا بصيغة نعم، بإسلوب فني وراقي محافظا فيه على الذوق العام المتعارف عليه، وعدم المساس بكرامة احد، مؤدية دورها على افضل وجه عندنا يعجز الجد عن البيان، بروح ظاهرها مرحة إلا انها تخفي الكثير من الألم وانهارا من الدموع والمعاناة.

ونماذج المعاناة في المجتمعات كثيرة ومتنوعة تكتب حسب المشكلة وأفضل أسلوب يمكن فيه إيصال الفكرة سواء بالطريقة المباشرة او الساخرة او الأنواع الأدبية الاخرى معتمد فيها التلميح واللعب بالكلمات.

فهذه رسالة من موظف الى مديره كتبت بأسلوب ساخر او المعنى ونقيضه لتعطي مجال وحرية وقوة في إيصال الفكرة.

مثال ذلك رسالة من موظف الى مديره:

بعد تقديم واجب التحية ومزيد من التقدير الى شخصكم الكريم، اكتب عبارات الشكر والامتنان لحضرتكم الموقرة، راجيا ان تسعفني الكمات في إعطاءك ولو قليل مما تستحق من الثناء، تليق بعطائك وحسن تعاملك ورقي تصرفك، فسنوات طويلة بالتمتع تحت ظل عدلك وإعطاء كل دي حقا حقه، بكل نزاهة صعوبة ان تجمل في كلمات او تكتب في مقال، طيب المعشر خلقكم، والشجاعة صفتكم، فليس قليلا ان اختلي ليس بضع ساعات، بل ايام بحثت طويلا كم تمنيت ان أكون شاعرا لأفيك بعض حقك، فان عجز القلم فالقلب الذي أسعدته يحمل لك في طياته كل الاحترام، فأنت الرجل المناسب في المكان المناسب، كنت ساعيا لتحقيق العدل والمساواة بدون النظر لمحسوبيات، فأعطيت كل ما يستحق حقه بكل شجاعة تحليت بها، وامانة اتصفت بها، وصدق نية يشهد لك فيها، تستحق ليس فقط رجل العام بل رجل الأعوام. فالوازع لفعل الصالح قويا عندك، فمثلك من يناط به التقدم والازدهار، فحريا ان تكتب سيرتك العطرة ليستفاد منها الأجيال القادمة، تدرس مثال للنزاهة، اديت الأمانة التي أعطيت على اكمل وجه، ليس راجيا عطاء، ولا متأمل ثناء، ولا طالبا مكانة شخصية، محافظا على آدمية من تشرفو بقيادتك النبيلة، رقي في حضرتكم من يستحق، وليس من يتقن فن المدح ولا عطاء ولا أهواء شخصية او محسوبيات تترجى منها شي، او اصحاب نفود تخشى تأثيرهم، فكم كنت كبيرا لا تنحاز الا للحق، ولا هم لك الا المساواة، ولا يشغلك الا حسن التعامل، همك الاول الأمانة، فأنقضت السنين سريعا، وكانت مفارقتك الاصعب، والبعد عنك الخسارة الأكبر، لم استطع توديعك لان الدموع سوف تنهمر حسرة على الفراق، فكل خصلة تمتلكها تستحق مقال تجمع في كتاب نسميه «الصفات التامة في العلاقات العامة».

انا اعرفتك متواضعا، لا تحب المدح فلن ترد.

فلك خالص الدعاء، ان تجزأ بكثر عطاءك، «فمن يعمل مثقال ذرة خير يره"» ومسيرتك كلها ذررا، فهنيئا لنا بك، وهنيئا لك فكل ما فعلت حسن.