آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

أبناؤنا ثمرة تربيتنا «4»

الطفولة المفهوم والمراحل

الشيخ حسين المصطفى

تكتسب مرحلة الطفولة أهمية بالغة في تشكيل بعض معالم شخصية الولد المستقبلية، فهو يخضع لأنماط من السلوك والعادات والخبرات التي تعيش في عمق شخصيته وتساهم في بنائها وصياغتها..

فالطفل يمتاز في هذه المرحلة بسرعة التلقي والتقليد والامتصاص الذاتي، بحيث يستطيع اختزان الكثير من المشاعر والأحاسيس والأفكار والعادات والتقاليد بالسرعة التي لا يستطيع الإنسان الحصول عليها بعد تجاوز هذه المرحلة.

وربما يعود ذلك إلى أنّ الأرضية الإنسانية للطفل بما فيها الأرضية القوية والنفسية والروحية والشعورية، خالية من أي تعقيد ومن أي مؤثر خارج دائرة الوراثة. لذلك فإنّ مرحلة الطفولة سريعة الالتقاط. وهذا ما يعبر عنه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب في وصيته للإمام الحسن بقوله: ”إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ“ [نهج البلاغة: كتاب 31] فهي إذن مستعدة لأن تتقبل البذور من النمو في أرضها، ولعدم وجود ما يمنع تلك الأرض من أن تقبل تلك البذور.

وقد نستفيد أيضاً من الحديث الشريف: ”كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه“ [البحار: ج 58 ص 187] نستفيد أنّ التركيبة الفطرية للإنسان تختزن من بداياتها الإحساس السليم بالأشياء والقدرة على اكتشاف الحقائق، بحيث إنها لو انطلقت بشكل طبيعي لاستطاعت أن تكتشف الحقائق الأصيلة كقضية التوحيد وقانون السببية وما إلى ذلك.. وهذا ما تدل عليه الآية القرآنية ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.

وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر الباقر قال: ”قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُهُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ“ [الكافي: ج 2 ص 12].

إننا نفهم من كل ذلك أن في تكوين الطفل فطرة نقية تتفتح على الحقائق الأساسية بسهولة إذا أتيح لها ذلك.

وهنا نسأل: كيف تجلى اهتمام الإسلام بمرحلة الطفولة؟

عندما ندرس التعليمات الإسلامية الأخلاقية السلوكية التي تتصل بالطفولة، نجد تأكيداً على التدرج في التعامل مع الطفل حسب المراحل العمرية، فقد ورد عن الصادق قوله: ”دَعِ ابْنَكَ يَلْعَبْ سَبْعَ سِنِينَ، وَيُؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِينَ، وَأَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِينَ“ [من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 492، والكافي: ج 6 ص 46].

أي أن نمنحه قدراً من الحرية خلال السنوات السبع الأولى من عمره، لنمارس بعدها عملية التعليم والتأديب والرعاية بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والذهنية في السنين السبع اللاحقة.. لننتهي إلى مرافقته سبع سنين أخرى حتى يستطيع أن يفارق طفولته بأمان إلى مرحلة النضج والشباب.

فهناك ثلاثة نقاط مهمة ركز عليها الإسلام:

1 - لم يترك تربية الطفل خاضعة لمزاج الأبوين، على الرغم من أنه جعلهما مسؤولين مباشرة عن هذه التربية، بل جعلها متحركة ضمن خطة مدروسة تقضي بأن يعطي الأب طفله حرية اللعب واللهو والتعبير بالقدر الذي يحفظ سلامته من الأخطار...

2 - ومتى ما اكتملت طفولته الأولى، تأتي المرحلة الثانية التي يتحمل فيها الأب مسؤولية تعليمه وتأديبه، بحيث يختزن الطفل المعلومات والخبرات والقيم والآداب والمهارات بالقدر الذي ينسجم مع حجمه ومستواه الذهني، بحيث يستطيع التكيف مع متطلبات مجتمعه.

3 - أما المرحلة الثالثة فتمثل مرحلة الانتقال بالطفل من عالم الطفولة إلى عالم الرجولة، وفيها يصاحب الأب ولده لمساعدته على تطبيق ما تعلمه، وبالتالي تعريفه على آلية سلوك الكبار والأوضاع التي تحكمها.

أما الأدوات التي يمكن استخدامها في إيصال كل تلك المفاهيم فتتسع لكل ما يستحدثه الإنسان من وسائل اللهو مع مراعاة تنويع الأساليب التربوية والنفسية والروحية.

لقد وضع الإسلام للتربية خطة من خلال عناوين أساسية، فعندما قال اتركه سبعاً ليعيش طفولته، فهو يحتاج من الكبار إلى توفير وسائل اللهو واللعب التي تنمي شخصيته دون أن تفرض عليه جانباً تعليمياً يثقل هذه الطفولة.