اكذب نفسك إذا حدثتها
تقول العرب ”اكذب نفسك إذا حدثتها“ لمن يهتم للأمرِ الجسيم فتخافه نفسه ويسقط دونَ غايته فيقال أكذبها وحدثها بالظفرِ لتعينك على ما تبغيه منه فإن أكثرَ الخوفِ باطل. تضيق بنا الدنيا ويكون السر أعمق من أن يُفشى لغيرنا، ننظر في المرايا ونرى شخصاً يشبهنا، يتكلم مثلنا ويهمه الأمر ذاته، ومن ثم نُصدقه الخبر أو نكذبهُ، فهم ليس إلا نحنُ!
حين نكون مرضى ينفعنا أن نكذبَ على أنفسنا ونسقيها دواءَ الأملِ بالصحة ثم تصحو، وعندما تحاصرنا الحياةُ وتضع شوكاً في الطريق، ينفعنا أن نكذب على أنفسنا في أن الشوكَ هو الطريق وندوسهُ بأقدامنا. الكثير من الآلام والمصاعب ليست إلا أوهام المواجهة التي تأتي في لحظاتِ الضعف، وقديماً قال لبيد بن ربيعة العامري:
واكذِبِ النّفْسَ إذا حَدَّثْتَها
إنَّ صدْقَ النّفسِ يُزري بالأمل
لو صَدَّقَ البشر خيباتِ الخسارة ولم تدغدغ مشاعرهم بهجاتُ الربحِ ما قاموا وما قعدوا في عملٍ من أعمالهم، ومن قرأ سير الناجحين في الحياة سوف يعرف كم مرة كذبوا على أنفسهم، وحتى على من يمشي معهم في أزقةِ الحياة بأن غداً يأتي الربحُ وتنتهي فيه المعاناة.
اكذب على نفسك عندما تحتاج أن تخبرها بأن ما تراه من الخوف ليس إلا الخوف ذاته! هل تذكر عندما كنت صغيراً وذهبت مع والدكَ إلى المنتزهاتِ والحدائق وركبت ألعابَ قطار الموت أو الأفعوانية؟ لكن قبل أن تركبها كان قلبك يطرق داخلَ قفص صدرك مثل المطرقة، وبعدما خرجت منها أمسكت بيدي أبيك وقلت: أبي، لقد كانت حقاً رائعة! هلا اركبتني مرةً أخرى؟ رأس الحكمة ألا نكذب على أنفسنا وننط من على قمةِ الجبلِ فوق صخور الوادي، لكن الحكمة أن نكذبَ على أنفسنا في الصعودِ رويداً رويداً من الوادي للقمة، ومهما تقطعت أنفاسنا سوف نكون فوق قمة الجبل.
لو صدقنا أنفسنا وطلبنا إجاباتٍ شافية لكل مجاهيلِ الحياة لكان الشلل التحليلي سوف يقعدنا عن أخذ أي علاج أو تغيير الوظيفة، ومن ثم العجز عن الحركة واتخاذ القرار في كل حياتنا، ومن ميزات البشر أنهم لن يعرفوا كل النتائج التي سوف تترب على الصدق أو الكذب على أنفسهم، وقد قال الشاعر:
تخوفني صروف الدهرِ سلمى
وكم من خائفٍ ما لا يكون
كيف ستكون الحياة لو انكشف لنا واقع الأمور في النتائج؟ ربما تكون الحياة وادعة هادئة، ولكننا كذبنا على أنفسنا وظننا أن البشر سوف يطير وطرنا، وأن البشر يستطيع أن يسمع ويرى البعيد وأصبح حقيقة، واعتقدنا أن الكثير من الأمراض والعاهات سوف تنتهي ومن ثم اختفت. إن كان ينفعك الكذب على نفسك ويعطيك جرعةً من الأمل فاكذب عليها، سوف تصبح الأمور حقيقة، وإن كنت تعرف الحقيقة مسبقاً، فأنت لا تعرف متى تهب رياح مشيئة الله وتنقلك من ضفةِ الألم إلى ضفة الأمل، ومن وادي الضعف إلى قمة القوة، أو من الخسارة إلى الربح! فكما قال الشاعر:
قال الشاعر:
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها
ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها
يغيّر اللهُ من حالٍ إلى حالِ
