آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

أمتارٌ بين الترف والعدم

المهندس هلال حسن الوحيد *

قال الأغنياء للفقراء: ألا ترونَ تقوب الأوزون تزداد اتساعاً وخطراً، علينا معالجتها كلنا نحن البشر؟ أجاب الفقراء: إن الثقوبَ الوحيدة التي نراها ونشعر بألمها هي الثقوب التي في معدتنا، التي ثقبها الجوع وحوامض المعدة التي لا تهضم الطعام. هل نحن ثقبناها في الحطب الذي أشعلناه نطبخ به القدور الخاوية، أم مصانعكم التي تصنع للعالم ما يسلب منهم قوتهم وما يقتلهم؟

قال الفقراء: ماذا عن ثقوب الأخلاق التي أنتم تصنعونها؟ تملؤن صناديق القمامة بأجودِ الطعام خوفاً أن نأكل ما فضل من الموائد نحن الفقراء، وفي كل يومٍ لكم عيدٌ تحتفلون فيه بالطعام والشراب. أم نحن فالعيد عندما نملء بطوننا الخاوية بعد كد يومٍ طويل أو نلبس لباساً مستهلكاً لأننا لا نملك المال لنشتري من مصانعكم الراقية! أنتم تحتارون ماذا تأكلون، ونحن نحتار ماذا نأكل!

يهتم بثقوب الأوزون من يعمر طويلاً ويخشى أن ينقص من عمره، أما نحن الفقراء نموت بعد مدةٍ قصيرة على الأرضِ وتبقون أنتم ضعف ما نبقى عليها نأكلون من خيراتها وتملؤن السماء بالثقوب. ليس لدينا مصانع، ليس لدينا سيارات، ليس لدينا بيوتاً من آلافِ الأمتار ندفئها ونبردها! فلم تعنينا ثقوب الوزون؟

روايتنا نحن الفقراء مؤلمة حين نرويها ثم نرحل، ثم ترون حكايتكم عندما يأتي يوم تجوعون كلكم ونشبع نحن الفقراء، وتعرون كلكم ونلبس نحن الفقراء، وتحفون كلكم ونحتذي نحن الفقراء.

حتى الرواة فقدوا الجمال في رواية قصصنا وآلامنا للناسِ في كلمات، اعتاد الناس على مناظرنا والتندر بها دون الإكتراث بنا أو النظر إلينا. لم يعد يوجد فيكتور هوجو يسلي الناس ويذكرهم ”جان فالجان“ الذي  أطلق سراحه عام 1815م في مدينة ديني الفرنسية بعد تسعة عشر سنة قضاها مسجوناً في سجن طولون، بسبب سرقة خبز لأخته وأطفالها الذين يتضورون جوعاً، وأربعة عشر سنةً أخرى عن محاولاته العديدة للهرب. وبعدها يرفض أصحاب الفنادق في مدينة ديني استقباله لديهم بسبب جوازه الأصفر الذي يشير إلى كونه مجرما سابقاً، مما اضطره إلى النوم في الطرقات وفي قلبه ألم وحسرة تتجمع بعدها اللآلام.

عندما قرأت رواية البؤساء قبل خمسين سنة، بكيت لهم وقلت لا يعرف البؤساء إلا من هو منهم وقلت هل يأتي يومٌ لا نرى فيه مناظر الشقاء؟ مضت خمسون سنة والثقب بين الفقراء والأغنياء يزداد اتساعاً، هناك شخص يملك نصف العالم وهناك آخر لا يملك قوت اليوم!

مستشار أعلى هندسة بترول