آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

المجتمعات ورياح التغيير

عباس سالم

يعيش الناس في المجتمع صراعاً نفسياً على مختلف الأصعدة، وذلك نتيجة للصراع القائم بين ما هو حداثي وما هو تقليدي، والهدف هو ضرب منظومة الأخلاق والقيم وتغييرها.

صراع التغيير بين الأجيال أمر لا بد من حدوثه، والأذكى هو من سيكون قادراً على امتصاص غضب الجيل الأحدث ومساعدته في كيفية رؤية الحياة بشكل أكثر حكمة ووعي، وهذا في الغالب لا يحدث عند الكثير من المجتمعات وخاصة مع جيل الشباب من الجنسين، والذي يؤدي إلى تفاقم مشكلة صراع التغيير بين الأجيال.

إن الاختلاف الذي ينبذه الآباء والأبناء سيؤثر على العملية التربوية برمتها، وسينشأ الجيل الجديد مع إحساس أنه مضطهد ولا أحد يفهمه، ولنضع في الاعتبار أن الأبناء قد يكونون مخطئين في أشياء كثيرة مثل التقليد الأعمى لما يحدث في بعض الدول المتأثرة بالعادات الغربية، والتقليد الأحمق لهم مثل ما يفعله بعض المراهقين بالتأثر ببعض المغنيات والعازفات الأوروبيات والعربيات وتطبيقها داخل المجتمعات المحافظة.

لحل أي مشكلة يجب أن نعترف بها أولًا، والأمر هنا موجه للآباء أكثر من الأبناء لأن السلطة في أيديهم هم، والحل الأساسي للمشكلة يكمن في تقبل الاختلاف أولًا ومعرفة مدى التغير الحاصل بين الجيلين والتطورات التي طرأت على المجتمع في هذا الوقت، والأهم من ذلك كله الإيمان بأن الأجيال يجب أن تأتي برؤى مختلفة وحياة جديدة لا تشبه سابقتها، فالجيل القديم كان يعتبر نفسه جيلاً حديث في يوم من الأيام وحدث معه بعض التمرد على آبائهم في ذلك الزمن.

هناك صراع ديني في المجتمع بين بعض الذين دَرَسوا في الغربِ وتأثروا بعاداتهم وتقاليدهم، وصاروا مِعْوَلاً هدَّامًا للعَلاقة الجيِّدة بالآباء وعاداتهم وقيمهم الذين ورثوها من القرآن الكريم وبما جاء به النبي محمد ﷺ، ويَعمَلُون جاهِدين على نشرِ ما رَضَعوه في الغرب من أفكارٍ وقيمٍ داخلَ مجتمعاتهم، ويدَّعون أن ذلك أفضلُ ويَستَحِقُّ أن يُقتَدَى به، ويَدْعُون إلى التخلِّي عن الدين والمبادئ والقيم، وعمَّا هو موروثٌ من: فكرٍ، وثقافةٍ، وفنونٍ وغيرها.

الانفتاح الواسعَ على الحضارة الغربية التي تَعرِف تطورًا سريعًا في كلِّ شيء، وفي المقابل يَظهَر المجتمع الإسلامي وهو يَغطُّ في التخلُّف والركود، ولا يَقدِر على استيعاب الجديد الذي أتى به العصر، أو المساهمةِ فيه - أدَّى إلى حصولِ شَرْخٍ خطيرٍ في بِنْيَة المجتمع، يتجلَّى في تمسُّك الآباء بما وَرِثوه، وتمسُّك الأبناء بما هم يَعِيشون فيه، فنَشَأ الصراع بين الجيلين.

إن الصراع الديني في المجتمع هو أخطرُ الأشكال، لأن فيه يَتِمُّ التهجُّم على الدين بما فيه من: عقائد، وقواعد، وأحكام، وتشريع، وما يَحمِله من قِيَم إنسانية رفيعة، والتشكيك في النبوةِ والإمامة، والطعنِ في الأحاديث النبوية الشريفة، والكذبِ على الرسول ”صلى الله عليه وسلم وآله“ والتهجم على رجال الدين واتهامهم بالرجعية والتخلف، فصارت المجاهرةُ بالخروجِ عن الإسلام، واعتناقِ الدياناتِ والمذاهب الأخرى والإلحاد تقدمًا وحداثةً بين البعض في المجتمعات الإسلامية.

دور الأُسَر التربوي للنشىء هو الأساس، لكن بعض الأسر تخلَّت عنه، واهتمَّت بالماديات، وتوفيرِ متطلَّبات الدراسة والحياة، فأصبحت الأمَّهاتُ يعملن خارجَ المنزل، وأَهْمَلن النشء، وتُرِك بين يد المُربِّيات وأكثرهن لا ينتمون لدينه ولا لعاداته ولا لقيمه، فبدلا من أن يكون المنزل هو المكان الذي تَحصُل فيه السكينة ومراعاة شؤون الناشئة، أصبح كالفندق يُهَرِول إليه الزوجان نهاية كل يوم، وهما يُغَالِبان النعاس، وضاع الأبناءُ في ظلِّ هذا الوضع، وكما عبر الأديب الإيرلندي ”برنارد شو“: ”إذا كان آدمُ يَحرِث، وحواء تَحرِث؛ فمَن يربِّي الأبناء“؟

خلاصة الكلام هي أنه لا شيء ثابتاً في هذه الحياة ولا يمكن لأحد الهروب من متغيراتها وعلينا أن لا نحزن أو نتململ من التغيير فهذه ليست نهاية الحياة، فكل شيء قابل لذلك حتى الحزن والملل قابلان للتغيير إذا أردنا ذلك، لكن مبادئنا وقيمنا يجب أن تظل ثابتة مهما عصفت بنا رياح التغيير.