آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

السيدة الزهراء (ع) الزوجة المثالية

الشيخ عبد الله اليوسف *

إن الالتزام بمقومات وقواعد الحياة الزوجية السعيدة والناجحة هو السبيل حتى يتحقق الهدف من الزواج وهو تحقيق الاستقرار النفسي والروحي والجسدي بما يحقق الاطمئنان والسعادة الزوجية.

وقد أوضح القرآن الكريم أهداف الزواج وغاياته الأساسية وهو المودة والرحمة في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[1]  فقد خلق الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة من جنس واحد، أما القول بأن المرأة مخلوق من جنس آخر، أو أقل رتبة من الرجل فهو منافٍ لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً والغاية من الزواج تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وهو الأمر الذي ينتج المودة والرحمة ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً فالمودة بلا رحمة يؤدي إلى البرودة والفتور في العلاقة الزوجية كما أن الرحمة بلا مودة يفسدها، وهذا كله يتطلب ممارسة التفكير كي يتحقق التكامل بين الرجل والمرأة وصناعة الزواج الناجح ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

وتمثل السيدة فاطمة الزهراء الأنموذج والمثال للزوجة الصالحة والمثالية، حيث عاشت مع أمير المؤمنين في حدود التسع سنوات في حياة زوجية ناجحة ومليئة بالسعادة والاطمئنان والتوفيق رغم الظروف الصعبة التي مرت بهما في حياتهما جراء تحمل أعباء الرسالة، والوقوف مع الرسول الأكرم، والعمل على نشر رسالة الإسلام.

ويمكن استكشاف بعض ما يرتبط بالحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء، والمقومات الرئيسة التي كانت تسير عليها في تعاملها مع زوجها أمير المؤمنين من خلال الأمور التالية:

1 - حسن التبعل للزوج:

وأول هذه المقومات المهمة في نجاح الحياة الزوجية حسن التبعل للزوج، والمقصود به إطاعة الزوج، وحسن التعامل والعشرة معه، وقد كانت السيدة فاطمة الزهراء تدبر حياتها الزوجية بحسن التدبير، وحسن التبعل حتى قال عنها أمير المؤمنين: «ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً» [2] .

ويعد حسن التبعل للزوج نوعاً من أنواع الجهاد، فإذا كان جهاد الأعداء واجب على الرجال فإن جهاد المرأة حسن تبعلها لزوجها، إذ يقول الرسول الأعظم: «جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها» [3] . وهكذا يجب أن تكون المرأة المسلمة المعاصرة، أن تُحسن التبعل لزوجها، وأن تحسن معاشرته، وأن تطيعه فيما يرضي الله تعالى.

2 - القيام بالأعمال المنزلية:

إن المقوم الثاني من مقومات الحياة الزوجية الناجحة هو القيام بالأعمال المنزلية، فرغم مكانة الزهراء وعظمتها ومقامها الرفيع إلا أنها لم تستنكف عن القيام بالأعمال المنزلية، فكانت تطحن بالرحى حتى محلت يداها، وكانت تنظف البيت وتطبخ وتعجن وتخبز، فكانت تقوم بالأعمال المنزلية ما دون الباب، وكان أمير المؤمنين يقوم بما خلفه في تعاون وانسجام ومحبة بينهما.

وقيام الزوجة بالأعمال المنزلية وإن لم تكن واجبة على الزوجة إلا أنه يستحب لها القيام بذلك. وتوجد العديد من الروايات التي تحث المرأة على خدمة زوجها، فلا ينبغي للمرأة المعاصرة أن تستنكف عن القيام بتلك الأعمال لما فيها من الأجر والثواب، وبما ينتج عنه من ألفة ومودة وتماسك وانسجام، ونجاح كبير في الحياة الزوجية، وإدارة سليمة للبيت العائلي.

3 - مراعاة ظروف الزوج المالية:

من المهم للغاية في الحياة الزوجية أن تراعي الزوجة ظروف زوجها المالية، وقدراته المادية، وعدم إجبار الزوج على شراء أشياء كمالية بما لا يتناسب مع وضعه المادي لأن ذلك قد يجبره على الاقتراض وتحمل أعباء الديون الثقيلة.

وقد كانت السيدة الزهراء لا تكلف زوجها شيئاً، ولا تطلب منه أي شيء، وعندما يعلم أمير المؤمنين بعدم وجود طعام في البيت يقول لها: يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟

فتقول: «يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه» [4] .

4 - التجمل والتزين للزوج:

من الضروري أن تهتم الزوجة بزينتها ونظافتها ومظهرها لزوجها لأن ذلك يزيد من تقوية وتمتين العلاقة الزوجية، أما إهمال هذا الجانب فيؤدي إلى النفور والكراهية بين الزوجين، وربما أدى إلى الانفصال والطلاق.

وقد كانت السيدة الزهراء تهتم بزينة ظاهرها وباطنها وتطيب بدنها ولباسها لزوجها كما أفادت الروايات بذلك.

ومن الخطأ ما تقوم به بعض النساء من اهتمام بالتزين والتجمل ولبس أجمل الملابس عند ما تخرج من البيت، وإهمال هذا الجانب لزوجها فهذا التصرف خلاف الحكمة، ويؤدي إلى خراب وفساد الحياة الزوجية.

5 - تبادل المودة والمحبة بين الزوجين:

من الأمور المهمة في نجاح الحياة الزوجية هو تبادل المودة والمحبة بين الزوجين، فقد كانت الزهراء تحزن وتبكي عندما يفارقها الإمام للخروج في إحدى الغزوات شفقة ومحبة له، وعندما يعود تستقبله بوجه مشرق وباسم حتى قال عنها: «وقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان» [5] .

وكان أمير المؤمنين يحبها حباً جماً، فلم يتزوج عليها أحداً طيلة حياتها، وعندما سمع بوفاتها وفع على وجهه قائلاً: «وأما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد» [6] .

إن اقتداء المرأة المسلمة المعاصرة بسيدة نساء العالمين في سيرتها وحياتها المباركة، وأن تلتزم بمقومات الحياة الزوجية المثالية والناجحة حتى تحقق السعادة الزوجية، وتنجح في مسيرتها كزوجة ناجحة بهدف تكوين أسرة صالحة.

[1]  سورة الروم، الآية: 21.

[2]  بحار الأنوار، ج 43، ص 134.

[3]  بحار الأنوار، ج 74، ص 164، رقم 191.

[4]  كشف الغمة، ج 2، ص 97.

[5]  بحار الأنوار، ج 43، ص 134. مسند الإمام علي، ج 8، ص 29.

[6]  نهج البلاغة، ج 2، ص 182. بحار الأنوار، ج 43، ص 193