آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

صراعُ العطار والمبضع

إذا كانت البيادقُ أحجاراً صغيرةً فوقَ لوحةِ الشطرنجِ يحركها لاعبٌ ويفنيها من أجلِ أن يفوز، فنحن البيادق التي تحرك الكونَ كله، نحتمي ببعضنا ونفني بعضنا فوقَ لوحة الدنيا اللامتناهية ويلعب بنا القَدَر الذي لابدَّ أن يفوز. بعكس البيادقِ الضعيفة نحن نحيا في روحٍ وجسد ولنا أن نختارَ الحركةَ فوق رقعةِ الحياة، وفي كل هذا الجهدِ المضني نحن جسدٌ وروحٌ بين العطارِ ومبضعِ الجراح. لا تحزن إذا ما وجدتَ جسدك الذي يغلف روحكَ اهترأَ أسرعَ مما احببتَ فلقد أعطاكَ اللهُ روحاً حادةً مزقت غلافها المادي مثل الخنجرِ المصقول الذي مزق الجرابَ الذي يحويه، وسوف يأتي يومٌ تتجدد فيه كل تلك الأغلفة مرةً اخرى، ليس علينا سوى الانتظار والترقب!

حاجتنا إلى إصلاحِ عطبِ أجسادنا قادتنا للعطارِ قديماً وحديثاً، الذي بدأ مهنته بائع عطر، ومن بعدها صار يبيع كل ترياقِ الحياة، لكنه للآنَ لم يكتب على أيٍّ من المواد التي يبيعها أنها تمنع الموت! ليس العرائس فقط من يزور العطارَ طلباً لتجديدِ الحياة، بل كلنا نبحث عنده عما يعيد لنا القوةَ وسني الشباب،  ولكن العطار يبيع القليلَ من إعادةِ الصبا والألق وكثيراً من الوهم.

قرأنا كم بقي حياً من قبلنا مئاتِ السنين ولم نيأس من البحث عما يبقينا أحياء، لم لا وقد أعطتنا المدنيةُ الحديثة فرصةً أن نعيشَ مدةً أطول من ?باءنا، ولكنها مدة نعيشها صراعاً بين العطارِ والمباضع. نجح المبضعُ حينما فشل العطارُ واستطاع أن يطوي بطوننا ويخفف من حمل أوزاننا ويعيد لنا النظارةَ ولكنه أيضاً لن يبقي أجسادنا غضةً طولَ الحياة، فهي لا بدّ أن تهترئَ ولكنه حتماً أصلحَ الكثيرَ مما أفسده الدهر.

في كل ضعفٍ جمال فهل رأيت الجمالَ في ضعف عيوننا أن ترى خطوطَ الزمن والتجاعيد على وجوهِ وأيدي من سحرنا جمالهم دون تلك الخطوط؟ إذ لو بقيت عيوننا تبصر كل تلكَ الخطوط ربما ساورتنا الشكوك في جمالِ من نحب. أنا وأنتَ بانتظار الربيع، تحت شمس ?ذار، يمكننا أن نبتعدَ من العطارِ والمبضع قدر ما يسمح القدر للبيدق أن يطوفَ فوق لوحةِ الحياة، أيامٌ قليلة قبل أن نهرب من حرارة الصيفِ الطويل إلى الراحة والسكون.

بين صراعِ العطار ومبضع الجراح لابد لنا أن نحمي الروحَ بالجسد، ونسهر على رعايةِ الجسدِ لنحفظهُ في معاركِ الروح فلا الجسم ينهزم ولا الروح تنهزم، ويسعد كلاهما. حتميةُ انهزامِ الجسد حقيقةٌ ثابتة ولو جهد العطارُ والجراح أن يبقونا أحياء، لأن خلايا أجسادنا ربما تحمل في سر تكوينها الموتَ الحتمي، حتى لو عزلناهَا عن جميع الأمراض، فهل يأتي يومٌ يستطيع البيدق الضعيف أن يعرف السر للحياةِ والبقاء الطويل الذي يضر به كما يقول الشريف الرضي:

راحلٌ  أنتَ والليالي نُزولُ

ومُضِرٌّ بك البقاءُ الطويلُ

لا  شُجاعٌ يبقى فيعتنقَ

البيض ولا آملٌ ولا مأمولُ
غايةُ  الناس في الزّمانِ فَنَاءٌ
وكذا غايةُ الغصونِ الذبولٌ
إنما المرءُ للمنيةِ مخبوءٌ
وللطعنِ تستجمُّ الخيولُ

مستشار أعلى هندسة بترول