آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

اقتصادنا والرقم الصحيح

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

عبارة المواطن هو ”رجل الاقتصاد الأول“ تصدق وتنطبق بقدر صدق وانطباق عبارة المواطن هو ”رجل الأمن الأول“. مشهد أن يجلس الشخص منا ويقوم أحد بتقديم الأشياء له هو مشهد ينبغي أن يتلاشى، فهو لا ينسجم مع التحول من اقتصاد الإنتاج، الذي يقوم على توليد كل منا للقيمة أن ينتج، ولا ينسجم مع تطلع المجتمع إلى أن يحمل كل منا وزنه، أي يعتمد على نفسه، وألا يلجأ إلى طلب المساعدة إلا إن كان بحاجة إليها. وهذا لا يعني أبدا التخلص من المسؤوليات والأدوار، بل يعني ترتيب الأدوار. انطلاقا من أن ثمة خدمات أساسية تقدمها المنظومة الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، وكذلك رعاية من لا يستطيع أن يرعى نفسه إما لفقر وإما لعجز، أما من يملك القدرة على العمل فعليه أن يعمل، ومن لا يبحث ولا يجد عملا فلا بد من مساعدته ليجد عملا، وإلا كيف يستطيع أن يكون مستقلا ماليا معتمدا على ”جيبه“ وليس بحاجة إلى أحد. لكن أين نحن من هذا الأمر؟ نحن أقرب إليه من أي وقت مضى، فقد بدأت الأسئلة المحورية تطرح بقوة وقع تطلعات ”الرؤية“ ومستهدفاتها، فعندما نرفض تصاعد البطالة، أحد مستهدفات ”الرؤية“، وعندما نحرص توظيف المواطنين ”رجالا ونساء“ للحد الأقصى، فنحن نتجه إلى مجتمع منتج، يعمل فيه كل قادر إما مستثمرا وإما صاحب عمل أو موظفا، وبذلك يتحقق أمران: أن الأفراد يسهمون في تحقيق مجتمع الإنتاجية والمعرفة، ومن ناحية جمعية يتحول اقتصادنا إلى اقتصاد منافس. عندها سنجد أن لا مكان لمن يبحثون عن الريع، أي أخذ المال دون بذل جهد.

ولا بد من أن آخذ نفسا عميقا وأقر بأن هناك من قد يقلب شفتيه وهو يقرأ هذا الكلام، وفي المقابل أقول: ليس المطلوب أن نأتي بجديد، بل العودة إلى إرثنا القائم على الكد والمكابدة والترحال من أجل كسب لقمة العيش، وكم في إرثنا ذاك من مدح وتقريظ لمن يأكل من كد يمينه. أما تابعو مدرسة ”اقتصاديات الانتهاز والمخادعة“ فهؤلاء سيعانون انحسار مكاسبهم، تفرق جمعهم، لأكثر من سبب منها أن عقلية ”الحقْ البصمة“ لن تأخذ متبعيها من الموظفين بعيدا، وكذلك جماعة ”الوهمي“ أي تأجير رقم هويتك مقابل ريع شهري، ويتبعهم من يصرون على تلقي الإعانات من نوع أو آخر رغم أنهم بصحة وعافية وبقدرتهم على العمل والكسب لكنهم لا يفعلون ليس كسلا فقط بل إدمانا لتلقي المال ريعا.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى