آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

المجزرة والحاجة إلى نبذ خطاب الكراهية

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

مجزرة نيوزيلندا، التي ذهب ضحيتها خمسون شهيداً، من المسلمين، أثناء تأديتهم صلاة الجمعة، نهاية الأسبوع الماضي، ليست مجرد حدث عابر، ولا يكفي فيها أن يتبارى الجميع لتوجيه الإدانة والشجب، وأن تخرج مظاهرات الاستنكار، ضد العنصرية بعدد من العواصم الغربية، كما هي الحال، مع لندن وأثينا. فالحدث ذاته ليس معزولاً عن تراكم ضخم، لسجل حافل بالكراهية، لدى قطاع كبير من المجتمعات الغربية بحق العرب والمسلمين.

فما أقدم عليه الأسترالي المتطرف، برينتون تارنت هو نتاج تحشيد واسع ضد المسلمين، تضاعف بالعقدين الأخيرين، منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001م، في نيويورك وواشنطن، اتهم بتنفيذها تنظيم القاعدة، وذهب ضحيتها عدد كبير من الأمريكيين المتواجدين في برجي مركز التجارة العالمي، في نيويورك. وبروز ظاهرة الإسلامفوبيا، بشكل غير مسبوق.

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، إثر تلك الحادثة، حرباً عالمية ضد الإرهاب. وبات واضحاً أن المقصود بتلك الحرب، دول إسلامية بعينها، وأن معنى الإرهاب بات يعني تحديداً المسلمين المتطرفين، ولا يشمل أشكال التطرف الأخرى، التي تجرى في بقاع أخرى من العالم، ليس أقلها الإرهاب الذي يمارسه باستمرار الكيان الصهيوني، بحق أشقائنا الفلسطينيين. مع أن الإرهاب في الأصل، ظاهرة لا تخص جنسية أو ديناً.

يلاحظ في هذا السياق، أن الجزار الذي ارتكب الجريمة، لم يوصف حتى اللحظة من قبل الإعلام الغربي، بالإرهابي. وأقسى ما وصف به أنه يميني متطرف، متأثر بخطاب الكراهية. ولو كان مرتكب الجريمة مسلماً، لما تردد هذا الإعلام لحظة عن كيل مختلف الأوصاف النابية له، بما في ذلك صفة الإرهاب.

في يقيني أن قراءة ما جرى في نيوزيلندا، ينبغي أن لا تتجاهل، الهجمة العاتية في الغرب، ضد العرب والمسلمين، والتي لا تتردد دوائر رسمية أمريكية، عن المشاركة بقوة فيها. أو لم يصف الرئيس جورج بوش الابن، حربه على باكستان والعراق، بالحرب الصليبية؟ ولا يختلف الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، الذي عبر مجرم نيوزيلندا عن إعجابه بسياساته، عن المسيحيين اليمينيين، في هجومه المتكرر على الإسلام والمسلمين. وأيضاً في توصيف كفاح الفلسطينيين لاسترداد حقوقهم والعودة إلى ديارهم بالإرهاب.

في هذا السياق، لا تختلف جريمة نيوزيلندا، عن الموقف العنصري الأمريكي، فيما دعي بالحرب على الإرهاب. وأيضاً عن الموقف المتحيّز تجاه قتل الفلسطينيين، من قبل جنود الاحتلال «الإسرائيلي». ونقل السفارة الأمريكية، إلى مدينة القدس، والتنكر للقرارات الأممية المتعلقة بحق العودة للفلسطينيين في الشتات، وأيضاً التصريحات لمسؤولين في الإدارة الأمريكية، المتكررة في الأيام الأخيرة، المساندة لاستمرار احتلال «إسرائيل» لمرتفعات الجولان السورية.

هذه المواقف السلبية ضد العرب والمسلمين، والمحملة بمواريث متراكمة من الكراهية بحقهم، منذ أيام حروب الفرنجة، واستمراراً بالاحتلال الغربي، لعدد كبير من البلدان العربية، إلى الاعتداءات المتكررة على عدد من العواصم العربية، من قبل دويلة الكيان، بمساندة صريحة وواضحة من قبل الدوائر الرسمية الغربية، وعلى رأسها الدوائر الأمريكية، وعلى أعلى المستويات هي التي تحرض على كل أشكال التحريض والممارسة العنصرية، السائدة في الغرب. وهي ذاتها التي تفسر سلوك الشاب الأسترالي الذي ارتكب عن عمد وتخطيط وسابق تصميم، مجزرته في نيوزيلندا.

لقد أوضح المجرم، بجلاء عبر صفحته على الفيسبوك، دوافعه لارتكاب جريمته، وأشار إلى أن هدفه منها هو حماية المجتمعات الغربية من «الغزاة» غير البيض والمهاجرين. إنه يعلن بوضوح، أنه شأنه في ذلك، شأن بقية العنصريين، الذين يبنون الجدران العازلة، يريد وقف هجرة العرب والمسلمين إلى العالم الغربي، من خلال ترهيبهم وقتلهم.

لقد أدى هذا التراكم من التحشيد العنصري، في الغرب ضد العرب والمسلمين، إلى غسل أدمغة الشباب، وإعادة تشكيل سلوكهم، وتعزيز ثقافة الكراهية في نفوسهم. فحسب إفادة مجرم نيوزيلندا، أثناء التحقيق معه، أبلغ أنه سعى قبل عامين لشن هجوم ضد المسلمين، وأنه بدأ بالتخطيط لجريمته قبل ثلاثة أشهر، واختار نيوزيلندا ليؤكد أنه لا يوجد مكان آمن في هذا العالم للمسلمين، واختار هذين المسجدين بعد زيارتهما.

مواجهة هذه الجريمة، تتطلب تغييراً جذرياً، في ثقافتنا وثقافة الغرب. واستبدال ثقافة الكراهية بثقافة التسامح. ولن تكون المعالجة سليمة وفاعلة، إلا حين تبدأ بالقمة. ومن خلال ممارسة الضغوط، بالمستويين، الشعبي والرسمي، على القيادات في الدول الغربية، ومن ضمنها إدارة الرئيس ترامب، كي تتبنى موقفاً عادلاً ومتوازناً من قضايانا المصيرية.

علينا أن نقول للغرب صراحة، إنه لا يمكنكم تحقيق مصالحكم في بلداننا، من غير علاقة متوازنة ومتكافئة تأخذ بعين الاعتبار مصالحنا وحقوقنا وقضايانا العادلة، ولا تكون مسكونة بمواقف عنصرية، تجاه ثوابتنا وهويتنا القومية ومواريثنا الدينية.

إن تعميم ثقافة الحب والتسامح، ونبذ النهج العنصري وثقافة الكراهية، هي التي تجعل مجتمعاتنا الإنسانية، أكثر أمناً واستقراراً وسلاماً.