آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

السلالم والثعابين - 7

أشد الثعابين لسعةً الفقر، تشغلنا لسعاتُهم عن الحياةِ وربما عن الآخرة. ابتعد عنها قدر ميلٍ إن استطعتَ أو حطم رأسها واقتلها إن أمكن، ليس المال كل شيءٍ في الحياة، ولكن المالَ فيه أشياء كثيرة. المال يجلب لنا شيئاً من السعادة وبعضَ المكانةِ بين الناس الذي لا نستطيع أن نشتريها بالفقرِ والعوز.

بُنَىَّ: وكم أفسد الغنى من إمرءٍ كان في كمالِ العقل والإتزان، فيكفيكَ من المالِ ما تحتاج. وفي أيامنا هذه تحتاج  الكثيرَ من المال لتستتر، وتَتطبب، وتتعلم وتعلم أبناءك، وتستكشف الدنيا. وبما أن المال لا يأتي إلا بالكدِّ والتعب، إذاً عليكَ أن تجهز وسائل البحث عنه في سوق العمل المزدحمة بالناس، إما شهادة يعرف الناسُ بها أنك جلست على مقاعدِ المدرسة وتخرجت منها، أو حرفة يحتاجك الناس أن تؤديها لهم، أو فكرة تطرق طاسة رأسك قبل النوم!

اثنانِ من طلب الكثيرَ منهما لا ينام: العلم والمال ومن يطلب المالَ الوفير مثله مثل ذاك الذي يشرب من ماءِ البحر كلما شرب منه ازداد عطشاً. حين كنت صغيراً كان لكل واحدٍ منا أكثر من فرصةٍ للالتحاق بعملٍ أو وظيفة أما الآن وقد كثر طلابُ الوظائف وازدادت مكننة المعاملِ والمصانع مما يجب أن يدفعك لأن يكون لديك شيئاً ما يميزك عن الباقين عندما تبحث عن فرصٍ في الحياة، شهادة ارفع، أو معرفة اميز، أو خصائصَ ذاتية، ربما تنفعك عند البحث عن وظيفة.

مجتمعاتنا هي أكثر نسبةً من الشباب وحديثي السن في العالم ولدى بعضهم المال، سوف تجد فرصةً ما تستطيعَ أن تكسب منها الكثيرَ من المال. شباب اليوم يحتاجونَ إلى الكثيرِ من الأكلِ والشربِ والرفاهيةَ والتسليةً والرياضة واللبس، وإن أنت تميزتَ فيما تقدم لهم مما يرغبون فيه، سوف تجني المال الوفير. ربما الوظيفة توفر لك أماناً أكثر ولكنها لن تغنيك.

وإن أنت أحببت أن تعمل لنفسك فهذا يلزمك بأن تعمل ساعاتٍ أطول وتبذل جهداً أكبر، على عكس ما يظن الناس أنهم عندما يعملون في مشاريعهم الخاصة سوف يرتاحون أكثر! ربما هم سوف يكونونَ أكثرَ راحةً وطمأنينة عندما يعلمون أنهم يحملون ثقلهم وليس ثقل غيرهم.

بنىَّ: في كل ما تطلب من المال، اكسبه بجدك واجتهادك وليس بالحيلةِ لأن المالَ عندما تكسبه بجدك سوف يكون سلالمَ لك في الحياة، تنعم بها على نفسك وعيالك وتقيهم الفقر، وعندما تكسبه بالحيلةِ سوف يكون الأفاعي التي لا تجلب لكَ إلا السموم القاتلة.

ثم متى ما زاد المال عن حاجتك فوفره، من يعلم ما تأتي به الأيام في تصاريفها من وجوهٍ يدعو المرء ربه ألا يمدَّ يده للناس عند الحاجة بل لديه ما جمعه من المال أيام رغده، وإن لم تحتاجه فهو لمن يبقى بعدك من عيالك.

اصرف مالك حيثما أحبب، ولكن لا تصرفه في المخازي التي تحط من قدرك، إذ أن قانون تبدل وتبادل الأيامِ بين الناس ربما نقلك من ربيع الغنى إلى خريف الفقر. ولتعرفْ كيف تدور رحى الأيام، إليك هذه الحكاية:

دخلت عبادة أم جعفر البرمكي على أناسٍ في يومِ عيد أضحى تستمنحهمْ جلدَ كبش تدفأ به، فسألوها عن ما كانت فيه من النعمةِ فقالت: لقد أصبحتُ في مثلِ هذا اليوم وإنَّ على رأسي أربعمائة وصيفة، وأقول إن ابني جعفراً عاقٌّ لي!

مستشار أعلى هندسة بترول