آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:06 م

الامام علي..صراط مستقيم

محمد أحمد التاروتي *

أعطت سيرة سيد الأوصياء التاريخ القديم، والحديث دروسا عظيمة، في الثبات على الحق، ”لا تسوحش طريق الحق لقلة سالكيه“، فالأساليب السياسية المتلونة، واستخدام الخديعة مرفوضة تماما، ”“ أَ تَأْمُرُونِّي وَيْحَكُمْ أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ! ”، حيث عمد لإرساء قواعد راسخة في التعاطي مع الشأن العام، اذ وضع منذ اليوم الاول لاستلام مسند الخلافة، أسس قائمة على تحقيق العدل والمساواة، فقد اشترط لقبول الخلافة السير على نهج النبي“ ص " فقط.

حاول الامام علي تكريس حقيقة لدى الجميع، تتمثل في ضرورة استخدام السلطة، في تحقيق العدالة والمساواة، وعدم استخدامها لتحقيق المصالح الخاصة والتكسب غير المشروع، ”ان إمارتكم هذه لا تساوي شسع نعلة إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً“، وبالتالي فان السلطة تمثل وسيلة لإشاعة الحق بين الناس، بعيدا عن اللون والعرق وغيرها من الانظمة، التي وضعها البشر للتمايز على بعضهم البعض، فالعملية تتمحور في تكريس الاليات القادرة على تحطيم تلك الممارسات البشرية غير العادلة.

وضوح النهج الجديد لسياسة الامام علي منذ اليوم الاول لمبايعته بالخلافة، ساهم في اتخاذ مواقف معارضة داخل المجتمع الاسلامي، بحيث تجلت في رفض بعض الولاة الانصياع للقرارات الصادرة من الخليفة، فقد رفض معاوية بن ابي سفيان الانصياع لقرار عزله من ولاية الشام، الامر الذي يمثل خروجا على الحاكم الشرعي، خصوصا وان حجم المكاسب التي يتمتع بها بعض الولاة، تدفع باتجاه التمسك بالسلطة، نظرا لإدراك الولاة بالطريقة الجديدة في ادارة شؤون الخلافة لدى الامام علي ، فقد تعهد بإرجاع جميع الاموال غير الشرعية لبيت مال المسلمين ”والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الإماء؛ لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق“.

رفض سيد الأوصياء الاستماع لمشورة البعض، بإبقاء بعض الولاة لفترة حتى يستتب له الامر، وبعدها يعمد لاصدار أوامر العزل، حيث قال ابن عبّاس للامام علي : ”ولِّه شهراً واعزله دهراً“، بيد ان امام المتقين اعتبر هذه الطريقة غير شرعية، ولا تنسجم مع المبادئ والقيم، التي ورثها من سيد المرسلين ﷺ، حيث قال ”والله لا أُداهن في ديني ولا أُعطي الرياء في أمري“، فقد قام منذ اللحظة الاولى بإصدار العديد من القرارات الادارية، لاستبدال بعض الولاة في الولايات الاسلامية، حيث قال ”لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبداً“، الامر الذي يعطي درسا عظيما في استخدام الأسس الاخلاقية، في التعاطي مع السلطة عوضا من ممارسة الأساليب الملتوية ”والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس“.

رسخت السنوات القليلة لخلافة الامام علي ، الكثير من المبادئ في الاليات المفترضة، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، من خلال ارساء ممارسات قائمة على ابداء الرأي دون خوف او ملاحقة، باعتباره احد الحقوق الاساسية، فقد خاطب احد قادة المعارضة في مسجد الكوفة بقوله ”لا نمنع عنك العطاء ما سلم المسلمون من سيفك“، بمعنى اخر، فان امام المتقين حرص على اتاحة فضاء الحرية للجميع، من اجل وضع قواعد ثابتة، في تأطير العلاقة الحاكمة في المجتمع الاسلامي، فالموقف من المعارضة ضمن حدود الاختلاف باستثناء حمل السلاح، وإشاعة الفوضى وتدمير السلم الاهلي.

كاتب صحفي