آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

”حُسنُ الجِوار“ النصيحة الذهبية من المرجعيات الدينية للوزير ظريف

حسن المصطفى * صحيفة إيلاف السعودية

بعيد الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى مدينة النجف، ولقائه المرجعيات الدينية، في مارس 2019. توجه مباشرة وزير خارجيته محمد جواد ظريف، إلى مدينة ”قم“ مقر الحوزة العلمية التي أسسها الشيخ عبد الكريم الحائري، العام 1922. لتكون ثاني أهم مركز علمي ديني للمسلمين الشيعة، بعد مدينة النجف العراقية، والتي دشنت حوزتها عندما انتقل إليها الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قبل نحو 963 عاما.

ظريف يدرك ما تمثله حوزة ”قم“ من قوة روحية، وما تحظى به من مكانة علمية. وهي التي تضم العديد من المرجعيات الدينية، وأساتذة البحث الخارج الكبار، الذين تتباين مواقفهم من الثورة، بين مؤيد، أو متحفظ، أو معارض.

”مدينة قم تلعب دورا مصيريا في نفوذ إيران الدولي“، يقول الوزير ظريف، مؤكدا أن للمدينة ”مكانة هامة جدا لدى وزارة الخارجية“. مضيفا في حديثه خلال اجتماع المجلس الإداري لمحافظة ”قم“، أن هذه المدينة هي واحدة من ”مراكز القوة الروحية والمعنوية في البلاد“.

ظريف جاء إلى الحوزة العلمية، كي يستفيد من رأس المال الرمزي للمدينة التي تضم ضريح فاطمة المعصومة، أخت الإمام علي بن موسى الرضا، أحد الأئمة الإثنا عشر لدى المسلمين الشيعة.

عندما زار حسن روحاني النجف، ذهب مباشرة إلى مرقد الإمام علي بن أبي طالب. وكذلك فعل محمد جواد ظريف، حين دلف إلى ”قم“، بدأ بمقامِ السيدة المعصومة.

تلك هي أدبيات الزيارة في المدن ”المقدسة“ لدى الشيعة. أن تدخل المدينة من بابها الأكبر، لتنالك البركة، وتسلك درب المؤمنين. لتعرف أنك إنسان بسيط، أمام القامات العالية التي تسكن داخل تلك الأضرحة، فينكسر الغرور في داخلك، ويعود كل فرد إلى حجمه الطبيعي!.

تاريخيا، وتحديدا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979، أصبح هنالك تنافس متصاعد بين حوزتي ”قم“ والنجف. وهو التنافس الذي لا يخفى على وزير الخارجية الإيراني، الذي ذهب إلى ”قم“، مطلعا مراجع الدين على نتاج الزيارة النجفية، ومطمئنا إياهم أن مكانتهم محفوظة، وكلمتهم مسموعة.

السيد جواد الشهرستاني، صهر آية الله السيستاني، ومدير مكتبه في ”قم“، ورغم أنه ليس بالمرجع الديني، إلا أنه كان في مقدمة من زارهم الوزير ظريف، لمعرفته بقرب الشهرستاني من السيستاني، وأن رأيه يعتد به، ونفوذه أكبر من شخصيات دينية أخرى، ربما تفوقه علما!.

مرجعيات عدة زارها ظريف، من ضمنها شخصيات تتبنى نهج الثورة، ومقربة من المرشد آية الله خامنئي، مثل آيات الله: مكارم شيرازي، نوري همداني، جوادي آملي. والأخير كان ضمن الوفد الذي أرسله الإمام الخميني إلى الرئيسي السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف، العام 1989.

شخصيات مرجعية أخرى، ليست في تضاد مع الفكر الثوري، لكنها ليست منغمسة فيه، زارها ظريف، مثل آيات الله: جعفر السبحاني، والصافي الكلبيكاني.

الملفت في حديث السبحاني والكلبيكاني، هو تركيزهما على ضرورة تحسين علاقات إيران مع جيرانها.

”لقد نصحت دائما بضرورة وجود علاقة قوية مع جيراننا والعالم الإسلامي، مع الحفاظ علي كرامتنا ومصالحنا“، يقول المرجع الكلبيكاني، بحسب وكالة ”ارنا“، التي نقلت تشديده على ”ضرورة تعزيز التعاون علي الصعيد الدولي، لا سيما مع البلدان الاسلامية والجوار“. وكأنه يريد من ضيفه الاستماع إلى النصيحة التي طالما أكد عليها، فيما الساسة عنها معرضون!.

آية الله السبحاني، هو الآخر أكد على أهمية ”تطوير العلاقات مع دول الجوار، على أساس حسن الجوار، والحفاظ على سيادتها، والاحترام المتبادل“.

المرجع الديني آية الله الوحيد الخراساني، المعروف بنهجه العقائدي، وعلاقاته الفاترة مع النظام السياسي في طهران، وعدم إيمانه بولاية الفقيه المطلقة، سياسيا. وهو الذي كان في أكثر من مرة يغادر مكان إقامته في ”قم“ إلى خارجها، عندما يأتي آية الله خامنئي إلى زيارة الحوزة، رغبة منه في عدم لقاء المرشد. الخراساني، كان ضمن المرجعيات التي استقبلت الوزير محمد جواد ظريف، ودعا ”مسؤولي الحكومة لإقامة علاقات حسنة مع كل دول العالم“. كما حث على ضرورة ”استخدام لغة تتلاءم والعالم“، بحسب موقع ”كتابات“.

من جهتها، نشرت صحيفة ”جمهوري إسلامي“، القريبة من خط ”الوسط“، عنوانا رئيسيا في صفحتها الأولى، أبرزت فيه دعوة مراجع الدين إلى ”التواصل مع العالم بلغة مناسبة، والتأكيد على مبدأ حسن الجوار، والاهتمام بمعيشة الناس“. وإذا دققنا النظر، وجدنا أن هذه الدعوات، تتطابق مع جوهر حديث آية الله السيستاني، مع الرئيس حسن روحاني، الذي أكد فيه على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإقامة سياسة خارجية متزنة.

صحيح أن مرجعيات مثل نوري همداني، ومكارم شيرازي، وجوادي آملي، وفي حديثها مع الوزير ظريف، حضر النفس الثوري، والنقد لسياسات الولايات المتحدة. إلا أنهم شددوا - أيضا - على علاج قضايا رئيسية داخلية: الغلاء الذي أثقل كاهل الناس، والخلافات السياسية بين التيارات المتنوعة.

اعتاد المؤمنون من داخل إيران وخارجها على زيارة مكاتب المرجعيات الدينية، وعلى اللقاء المباشر معها، والحديث عن المشكلات التي يواجهونها، والصعوبات التي تقف عائقا أمام تقدمهم. وبالتأكيد سمعت مرجعيات ”قم“ الكثير من زوارهم الخليجيين والعراقيين والعرب، عن الخطاب الطائفي، والخلاف الإيراني - الخليجي، وأثر ذلك مباشرة على المواطنين الشيعة العرب، ورغبة هؤلاء في العيش بحرية وأمن وسلام، والمشاركة في بناء وتنمية أوطانهم. بعيدا عن الانعكاسات السلبية، للسياسات الراديكالية التي يتبناها الحرس الثوري، والتنظيمات العسكرية التابعة له في الخارج. وهي سياسات أضرت بالاستقرار في الخليج العربي، وأشاعات ثقافة السلاح والمليشيات المناقضة لمفهوم الدولة.

طالما سعت أغلب المرجعيات الدينية إلى النأي بالشيعة كمواطنين والتشيع كمذهب ديني، عن شعارات السياسة الإيرانية. إيمانا منهم بأنه لا يصح أن يرتهن المذهب وأتباعه، لتقلبات السياسة، وحساباتها التي تختلف من ظرف لآخر. رافضين أن يقدم نظام طهران ذاته، بوصفه ممثلا أوحد للمسلمين الشيعة.

الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، يمتلكان اليوم دعما روحيا وفقهيا من عدد من المرجعيات الدينية الكبرى، بأهمية انتهاج سياسة متزنة وعاقلة، تحسن من علاقة إيران مع جيرانها العرب. وهي الورقة التي يجب أن يستخدماها بكياسة وقوة قبالة التيار المتشدد، وفي سجالاتهما مع الحرس الثوري. وأن يكون العام الجديد قولا وفعلا ”عام تحسين العلاقة مع الجيران“، كما جاء في خطاب روحاني، بمناسبة بدء العام الإيراني الجديد وعيد النوروز. وإلا سيذهب كل هذا الدعم هباء، وستزداد الهوة بين نظام إيران، والمرجعيات الشيعية المعتدلة، التي لن يرضيها أن تشاهد أتباعها الروحيين يعانون الأمريين، بسبب سياسات متهورة، لا تأخذ مصالح الناس بعين الاعتبار، ولا تحترم خصوصية كل دولة وسيادتها.

الطريق لن تكون خالية من الألغام أمام روحاني، الذي يجب أن يختار بين أحد المنطقين: الثورة، أو الدولة!. وفي حال قرر الذهاب نحو ترسيخ مفاهيم الدولة، فعليه أن يتقدم ببصيرة وشجاعة، وأن لا يخشى الحرب الكلامية التي يشنها خصومه ضده، لأن مصلحة إيران والمنطقة بأسرها تكمن في البعد عن الحروب والطائفية والخطابات التحريضية. وإذا استطاع الرئيس الإيراني إقناع المرشد آية الله خامنئي، وكف يد الحرس الثوري عن التدخل في الشؤون الخارجية، وأوقف دعم المليشات المسلحة، فإنه سيكسب ثقة دول الخليج، التي بدورها تريد السلم والاستقرار، لمنطقة عانت طويلا من الاضطرابات، وآن لها أن تتفرغ للتنمية والتحديث وبناء الدول المدنية القوية.