آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

جروحُ المعارك

افتخر أخي الإنسان عندما تكبر ويبدو عليكَ شيءٌ من أثرِ السنين، فليست هذه الآثار الجميلة البديعة سوى وسام ينفردُ به كلٌّ منا عن ال?خر، وهو جروحُ وندوبُ السنين، وشاهدٌ على أننا صمدنا في هذه الطواحين. لا عزاءَ لمن ليس عليه أثرٌ من هذه المعارك، فلا ندوبَ ولا جراحات، فهو لم يحصل على أوسمةِ الحياةِ بعد! احمل عصاك وهشَّ بها فهي ليست سوى سلاح الإنسانِ المسالم في قبالةِ الأيام المستشرية في القسوة.

كبرتَ أيها الإنسان فأنت أسيرُ القَدَر في الدنيا، حاربتها ونجوتَ، لكنها أَسَرتكَ واثقلتكَ ببعضِ جراحها وقيود الأسر. لهذا يكرمك الصبيانُ والصبايا، ويفخرونَ بك، ويرونَ فيكَ رجلاً مشى أمامهم في اسودادِ الليل وهم سوف يمشونَ خلفه الآن. لك أن تطلبَ من الأيام وتقول: ردني ردني للربيع، كل فصولِ الحياةِ جميلة، وأجملها فصل الربيع.

”ان الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك“، وها هي الأيام تقويك. الأيامُ ثلاثة: يومٌ عشناهُ نحتفل بذكراه، كانَ وهماً وصارَ في خانةِ الحقائق. ويومٌ نحن فيه يتكشف ساعةً بعد أخرى ونحن مذعورونَ مما لم ينكشف. ويومٌ سوف يأتي ونحنُ قابضون فيه على سيوفنا من الخوف، حتى إذا جاء كسرنا المقابضَ، واحتفظنَا بنصولِ السيوف.

تأتي آثارُ المعارك فينا وهي في مثابةِ حصاد الحقل الذي نجمع غلته بعدما فلحناهْ وزرعناهُ في أيامِ الصبا. فآن لنا أن نستريحَ ونفرحَ بحصاد الحقل. لكن مهلاً! فهي ليست سوى استراحة محارب، ومخطئٌ من يظن أن البشرَ مخلوقونَ للراحةِ والنوم؟ تشدنا الجاذبيةُ نحو الأرض وتقصر قاماتنا، ولكن في هذا العمر علينا أن نجعلَ من الحياةِ معنى مهما كان عدد الشموع التي أطفأناهَا، في هذا العمر نكون أكثر رضاً وقناعةً وأكثرَ انضباطاً في مشاعرنا وفي معاركنا مع غيرنا.

يسألني سبطي الصغير كلما أراهُ مرةً أو أقلَّ كل شهر، متى يكون في عمري فلا تستغويهِ أو تستهويهِ كثيرٌ من الرغباتِ والمشاعر؟ أمسكُ بوجنتيه وأقول له: ليسَ قبل أن يكونَ في هذه الوجنتينِ الورديتين ندوبٌ كثيرة وجراحاتٌ غائرة، فلا تعجل!

مستشار أعلى هندسة بترول