آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

ترويج القناعات

محمد أحمد التاروتي *

التمسك بالقناعات على اختلافها، يشكل مبدأ ثابتا في الحصول على الاحترام، بيد ان التمسك بالرأي ليس مدعاة للتعصب الأعمى، او محاولة التغاضي عن الحق، انطلاقا من مبدأ " الاعتراف بالحق فضيلة، فالاختلاف الكبير مع الاخرين احد السمات في طبيعة التفكير البشري، نظرا لتباين زوايا الحلول لدى كل طرف، وكذلك نتيجة اختلاف الثقافة والظروف الاجتماعية، مما ينعكس على نوعية الموقف تجاه القضايا ووبالتالي التمسك بالقناعة في المحصلة النهائية.

القتال بمختلف الجبهات في سبيل القناعات، امر مطلوب، من اجل الانتصار لتلك المواقف، فهناك العديد من الأساليب المتبعة لايصال الرسالة للطرف الاخر، وبالتالي فان اختيار الطريقة المناسبة احدى العناصر الاساسية، في التغلب على المعارضة، والرفض لتلك المواقف، خصوصا وان الكثير من القناعات الصائبة، تتلاشى في خضم الأساليب غير المناسبة، الامر الذي ينعكس على طريقة تقبلها من الاطراف الاخرى.

الاحترام المتبادل امر ضروري، لعدم تجاوز الخطوط الحمراء، في طبيعة العلاقات البشرية، فالتحرك وفق قاعدة احتمال الخطأ والصواب، في شبكة العلاقات الاجتماعية، يفضي لتأسيس مبادئ ثابتة، في التعاطي مع الاختلافات، في جميع الامور الثقافية والحياتية، وبالتالي فان وضع مبدأ الاحترام يؤطر التحركات غير المتوازنة، بالنظر لقناعات الاخرين، لاسيما وان حب السيطرة تدفع باتجاه نسف قناعات الاخرين، باعتبارها غير قابلة للحياة، واحيانا ثقافة تخريبية، ينبغي محاربتها، والقضاء عليها بشتى الطرق.

انتهاج سبيل حوار لتبني القناعات عملية ضرورية، فالاقناع وسيلة ناجعة في تقليل المعارضة، واحيانا الحصول على التأييد الكامل، ﴿ادْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ? وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، لاسيما وان الجلوس على طاولة الحوار يقلص الحواجز بين الاطراف المختلفة، مما يؤسس لقواعد مشتركة، وتقريب وجهات النظر، بيد ان الامور سرعان ما تتحول باتجاه تبني مواقف موحدة، الامر الذي يستدعي التركيز على المفاوضات في بلورة قناعات مشتركة، والتحرك الجاد لتفهم الاّراء الاخرى.

اتخاذ الإكراه وسيلة في تبني القناعات، طريقة خاطئة ومصيرها الفشل في النهاية، لاسيما وان استخدام القوة يسهم في اظهار بعض القناعات مؤقتا، ولكنها سرعان تختفي بمجرد تلاشي الخوف المسلط على الرقاب، نتيجة المقاومة والرفض تبني الاّراء بعيدا عن الايمان الكامل، بمعنى اخر، فان القتال في سبيل القناعات لا يعني الاجبار، ومحاولة استغلال الصلاحيات وسيلة لفرض بعض القناعات، خصوصا وان هذه الأساليب أعطت نتائج فاشلة، فالعملية مرتبطة بالإيمان الحقيقي، وليس بممارسة القوة، لنشر القناعات في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يستدعي وضع الامور في النصاب الصحيح، لتفادي التعثر او النكوص المفاجئ من الاطراف الاخرى.

الالتزام الكامل بالقناعات، وعدم التنازل عنها يحدث فرق كبير، في طريقة التعاطي مع اصحابها، خصوصا وان رفض المغريات في سبيل التخلي عنها، يساهم في صعود الاسهم، مما يولد حالة من الاحترام والتقدير، الامر الذي ينعكس على طريقة التعامل في المستقبل، نظرا لإدراك الجميع بالقواعد الثابتة التي وضعت في لعبة الاختلاف، بحيث تفضي الى سلوكيات مغايرة تماما عن الاليات المعتمدة في الترويج للقناعات، بمعنى اخر، فان التحرك القائم على تحريك بعض القناعات مؤقتا، لا يمثل تنازلا بقدر ما يعكس محاولة التقرب بضع خطوات، تفاديا للتصادم المباشر، خصوصا وان قواعد الاختلاف تتحول احيانا الى اشتباكات مباشرة، نظرا للخلط القائم بين الاختلاف والخصام.

كاتب صحفي