آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

التحريض.. القتل

محمد أحمد التاروتي *

التحريض على القتل جريمة لا تقل فضاعة عن ارتكاب القتل.. فالإقدام على القتل بحاجة الى أدوات عديدة، واحداها التحريض سواء المباشر، وغير المباشر، الامر الذي يترجم على شكل جرائم مختلفة بعضها مادية، والبعض الاخر معنوية، ”الفتنة اشد من القتل“، وبالتالي فان استخدام اللغة التحريضية في الخطاب احدى الوسائل المعتمدة، لتوجيه السهام القاتلة للخصوم، اذ يستخدم البعض الخطاب الديني لتمرير عمليات القتل ضد الخصوم، بينما يستخدم اللغة الفئوية او العنصرية، لكسب الشارع في عملية القتل، فالعملية ليست مرهونة بأسلوب واحد، او طريقة محددة، وإنما مرتبطة بمدى استجابة الشارع للخطاب، فالمجتمع المتدين تكون اللغة الدينية اكثر وقعا، في الحصول على النتائج خلال فترة وجيزة، بينما يكون الخطاب القومي او الفئوي اجدى في البيئات ذات التوجه القومي.

نتائج التحريض بعضها كارثية على المجتمع، وبعضها مقتصرة على شريحة محددة، فالخطاب المستخدم يحدد حجم الخسائر على الارض، خصوصا وان التحريض يستهدف شرائح محددة، مما يدفع باتجاه التركيز على تلك الشرائح، من اجل دفعها باتجاه اتخاذ مواقف عدائية، بحيث تترجم على شكل ممارسة على ارض الواقع، سواء من خلال استخدام العنف للقضاء على المنافس انطلاقا، من قناعات ناجمة عن التحريض المباشر، بينما تترجم اللغة التحريضية عبر دعوات مقاطعة لأطراف معينة، استجابة لدعوات مغلفة بشعارات مختلفة، الامر الذي يقود للقتل نفسيا على الخصوم، وبالتالي فان التحريض يستهدف التصفية الجسدية في حالات معينة، والقتل المعنوي في صراعات اخرى.

التحريض من الأساليب الرخيصة، التي تكشف انحدار القيم الاخلاقية، لاسيما وان الافتقار للقدرة على المواجهة المباشرة، يدفع باتجاه استخدام الطرق الملتوية، في سبيل تسجيل النقاط، واحيانا لإزاحة المنافس من الطريق بشكل نهائي، الامر الذي يتمثل في استخدام اللغة الرخيصة، عبر تغليفها بخطاب ديني او غيره، وبالتالي فان اللغة المستخدمة في ادارة الصراع تكشف مدى التزام الاطراف المتنازعة بآداب الاختلاف، فاذا استخدمت المفردات المشروعة في الخلافات، فانها تكشف التزام الاطراف بالقيم الحاكمة في الخلافات، بينما تكون اللجوء الى اللغة التحريضية، ينم عن تدني مستوى القيم، سواء لدى احد الاطراف او جميعها.

اللجوء للتحريض يمثل الورقة الاخيرة، في بعض الصراعات، حيث تبدأ اللغة المستخدمة بشكل تدريجي، اذ من الصعب استخدام اللغة الخشنة منذ البداية، الامر الذي يفرض انتهاج الطريقة التصالحية، والدبلوماسية لتطويق الطرف الاخر، ومحاولة السيطرة عليه، وبالتالي فان استخدام ”العصا والجزرة“ في الصراعات من الأساليب المعروفة، بحيث تكون الإغراءات احدى الطرق لاستقطاب الطرف الاخر، ومحاولة التأثير عليه، بينما تبدأ الطريقة التصعيدية بمجرد استنفاد الوسائل الدبلوماسية والاغرائية، والوصول الى طرق مسدودة، مما يستدعي استدعاء جميع المفردات التحريضية، باعتبارها السلاح الاخير في حلقة الصراع الدائر، مما يعطي دلالة على وجود أطراف متعددة قادرة على ادارة الصراع، وفقا للتطورات على الارض، وذلك استجابة للوقائع على الساحة.

يبقى التحريض جريمة كبرى، تتطلب اتخاذ مواقف صارمة تجاهها، من اجل ايقاف مثل هذه الممارسات في التعاطي مع الخلافات، خصوصا وان سلاح التحريض يترك اثارا سلبية على المجتمع، فهو يقود الى احداث انقسام عميق، في بنية المجتمع بشكل عام.

كاتب صحفي